صمت 3 أيام بلياليها

TT

الأغلاط المطبعية، وما أدراك ما الأغلاط المطبعية؟!، هي معروفة من أول ما اخترعوا المطبعة وصفّوا حروفها بالرصاص، إلى وقتنا الحاضر في عصر الطباعة (الإلكترونية)، وأكثر من يعاني منها ويتورط فيها هم الكتّاب في الجرائد اليومية.

ويحصل لي بين الحين والآخر في مختلف المقالات بعض الأغلاط غير المقصودة، فأسلم أمري لله وأتقبل ذلك لأن الغلط حصل ولا أستطيع أن أفعل له شيئا.

إنني أشبّه الغلطة المطبعية كالرصاصة عندما تخرج من البندقية، فهي إن خرجت لن تعود مرة أخرى إلى مكانها، أما الأغلاط المطبعية في أي كتاب فالسيطرة عليها أسهل، إذ يمكن التصحيح أو التنقيح في الطبعة القادمة.

هناك نماذج كثيرة من الأخطاء حصلت، ولو أنني أردت إحصاءها لما كفتني هذه الزاوية، ولكن هناك خطأين مضحكين وغير منطقيين وقعا، فحزّا في نفسي قليلا.

الأول عندما كنت أتحدث عن أحدهم وقلت: إن العطر يفوح من أردانه - والردن في لغة العرب لمن لا يعرف هو الثوب الواسع والطويل الأكمام - فتحولت كلمة أردانه إلى كلمة (أردافه).

والثاني عندما تمنيت (تندرا) في إحدى مقالاتي أن أكون المحكم والفارز الوحيد لمسابقات ملكات الجمال، وإذا بكلمة الفارز تتبدل ويوضع مكانها (الفائز) - وتخيلوني أشترك مع ملكات الجمال بالمسابقة وأفوز فيها - (!!).

طبعا ليس معروفا من هو الذي أخطأ، هل هو الذي طبع المقال أم الذي صححه، وصدقوني أنه لا يهمني أن أعرف، ما دام الخطأ قد حصل وذهب مثل دم القتيل بين سيوف القبائل.

على العموم ليس هناك مجتهد لا يخطئ، وأخطاء الصحافة المطبعية أهون ألف مرة من بعض أخطاء المجتهدين في ميادين حياة الناس، فبعضهم حرقوا أو غسلوا أدمغتهم، وبعضهم لعبوا بمصائرهم وتركوهم كالعهن المنفوش، وبعضهم وعدوهم بالحلَق، وعندما خرّم الملايين آذانهم، لم ينبهم من ذلك التخريم غير ضياع سراويلهم.

أما أهون الأخطاء فهي الأخطاء الفردية، التي قد يكون دافعها الجهل أو الغباء، وهي تنتهي في الغالب في وقتها ولا تؤذي إلا أذى بسيطا.

مثلما أخطأ أحدهم بحقي، وأجزم أنه لم يكن يريد إهانتي أو أذيتي - ولكنه (مجتهد) - ففي أحد الأيام حضرت من ضمن الحاضرين وليمة غداء دسمة في منزل أحد الكرماء - الله يكثرهم ولا يحرمني منهم - وعندما أكلت وشبعت واكتفيت نهضت وغسلت يدي وبحثت عن أعواد خلال فلم أجد شيئا، استسلمت وذهبت إلى المجلس لتناول الشاي، وإذا بي أجلس صدفة بجانب رجل ضخم، ينكش أسنانه، وبحكم أنني لا أعرفه وهو لا يعرفني، فقد سألته بكل أدب إن كان معه عود خلال، فتفاجأت به يتجشأ أولا ثم يخرج من فمه العود الذي يلوكه بين أسنانه الصفراء المتفالجة التي لا تبتعد بحجمها دون مبالغة عن أسنان البغل العسيف، أخرج العود المبلول وعليه بعض البقايا من فمه ثم قدمه لي لكي أنكش به أسناني.

الواقع أنني صعقت من عرضه السخي هذا، ويا ليته اكتفى عند ذلك وتوقف، ولكنه أردف قائلا لي بكل براءة يحسد عليها: خذه، لا تستحي، لقد انتهيت منه.

هل تصرف الرجل الكريم هذا يعتبر من الأخطاء؟!، لست أعلم، وكل ما أدريه أنني بعد عرضه ذاك صمت عن الأكل ثلاثة أيام بنهاراتها ولياليها مكتفيا بالماء فقط، صمت على طريقة بعض الطوائف البوذية.

[email protected]