الموت الأخير لـ«سيد» الصحافي!

TT

سيد أحمد خليفة، صحافي من العيار الثقيل، يعشق صحافة المغامرة، والمخاطرة، تخصص في مرحلة من حياته في تغطية أخبار الحروب، وبصورة خاصة تلك التي اندلعت في القارة الأفريقية، والتي لم تكن تفرق بين الصحافي والمقاتل، فكان يحمل روحه على كفه، وهو يقف بين الجنود المدججين بالسلاح - على خطوط النار - مدججا بأوراقه وأقلامه، وكان قدره أن يعيش والموت يحاصره على كل الجبهات، على الرغم من أن شائعات موته ظلت تستبق قدومه في الكثير من المرات.

زاملته لسنوات حينما جاء إلى جدة في نهاية عقد السبعينات للعمل في بعض مؤسساتها الصحافية، فكان أشبه بالسندباد، لا يأتي من رحلة إلا ليبدأ أخرى، فهو يضيق بالمكاتب، وصحافة الهاتف والوكالات والفاكس، أثناء وجوده المتقطع في جدة يتحول إلى «شيخ عرب» بعمامته البيضاء كراية فرح، وهو يتربع على كرسي قهوة الصحافيين في جنوب جدة، يقص حكاياته مع النميري، وسياد بري، وبعض الزعامات الأفريقية الأخرى، وما زلت أتذكر حكاية الرئيس الصومالي الأسبق سياد بري، حينما نصحه الأطباء بأن يقلع عن التدخين، ورغب في أن يشاركه صديقه سيد أحمد خليفة الإقلاع عن التدخين أيضا، فكان بري يأمر أحد حراسه بأن يحمل علبة السجائر، ويقف على مسافة كيلومتر من القصر، فإذا ما رغب في تدخين سيجارة يبعث في طلب الحارس ليأتي بها، وكثيرا ما كان يطلب بري حامل السجاير قبل أن يصل إلى المسافة المتفق عليها، وانقطع نفس الحارس من كثرة الجيئة والذهاب، والغدو والرواح، وضاق سيد أحمد خليفة ذرعا بهذا الإجراء، فاقترح أن يتولى المهمة هو نيابة عن الحارس، فضحك سياد بري، وأعاد علبة السجاير المتنقلة من جديد إلى مجلسه.

في بلاده السودان جرب سيد أحمد خليفة المعتقلات أكثر من مرة، وزامل فيها الكثير من الزعامات السياسية السودانية، وفي إحدى المرات التي كنت أوصله فيها إلى مطار جدة برفقة الصديق علي حسون - رئيس تحرير صحيفة البلاد الحالي - ليستقل الطائرة المتجهة إلى الخرطوم، كان سيد أحمد خليفة على يقين بأن زبانية النظام سيكونون في انتظاره في مطار بلاده، وعلى الرغم من ذلك ظل مفرطا في دعابته وسخريته، وحاولت أنا والزميل الحسون إقناعه بتأجيل السفر، ولكنه أبى، وأصر على أن يمضي إلى غايته، ولم يظهر لـ«أبو السيد» من تلك الليلة أثر إلا بعد زمن طويل قضاه في غياهب السجون.

عاد إلى صحافة بلاده بعد سنوات من السجون والمنافي، فأنشأ صحيفة «الوطن»، التي بث على صفحاتها روحه، وخبراته، وتجاربه، وغدا له فيها تلاميذ، ومريدون، ومحبون، وكان خبر وفاته في نهاية الأسبوع الماضي خبرا أليما على نفوس محبي «أبو السيد» على ضفتي البحر، فسيد أحمد خليفة رجل أبيض الأعماق، يحبه حتى الخصوم، لذا مشى في جنازته كل الأضداد.

[email protected]