رجاء

TT

كيفما تطلعت في الصحف اللبنانية تقع على خبر إضافي عن الخلاف بين أبناء منصور الرحباني وعائلة شقيقه عاصي، ممثلة بفيروز. وبعد وفاة منصور انتقل الخلاف من الصمت إلى لغة عنيفة، قد يبررها حماس الأبناء، لكنها لا تليق إطلاقا بأجمل وأهم تراث فني عرفه لبنان مدى تاريخه.

أعرف أن المسألة شائكة ومعقدة. ومثل كل خلاف فيه طرفان فإن فيه حقين أيضا، يتوازيان أحيانا، يتفاوتان أحيانا. ولذا لا مجال للتدخل القانوني أو عبر الأصدقاء، لأن كل صديق سوف يعود بدفوعات صغيرة تضخم المشكلة. والمشكلة، مع الاعتذار من أبناء أخي منصور، ومن المعنيين من أبناء عاصي (زياد خارج الصراع) أكبر منهم جميعا. وأكاد أقول، بكل راحة ضمير، أكبر من عاصي ومنصور وسيدتنا فيروز. عندما يكون الإرث في هذا الحجم وفي هذه الندرة وفي هذه الجمالية القمرية، لا يعود مجرد جزء من ريع وحقوق وفوائد. هذا إرث من النوع الذي يدعي كل لبناني الحق فيه. وربما يطيب لآلاف العرب أن يفعلوا ذلك.

ولن يستطيع أحد، من أهل الفن أو القانون أو التحكيم، أن يقضي في ما اختلف عليه الرحابنة: هل الأخوان عاصي ومنصور هما الأهم، أم السيدة الماسية؟ كانت فيروز، بروعتها وبساطتها، تسأل أصدقاءها دائما: «بسبب خبرتكم في بلاد العالم، هل الناس تعرف المؤلف والملحن أم صاحب الصوت؟ هل أم كلثوم أهم أم الشاعر الذي ألف (إنت عمري) ولا يعرف اسمه أحد؟».

تشعر فيروز أن الأخوين رحباني ضربا طوقا حولها. كان الرحبانيان يشعران أنهما حولا حنجرة فيروز إلى ماسة زرقاء. وهذان هما الحقان المتوازيان. لكن الحق الثالث والفاصل هو أن عطاء عمره نصف قرن لا يمكن أن يعامل بهذه الطريقة وبهذا النفور وبهذا العداء. ثمة صورة للرحابنة في الذاكرة العربية لا يجوز أن ينزل عليها بمطرقة، وريثا كان أم شريكا.

دعوا فيروز حيث هي. صورة في صدر الدار وصوتا ظل حاضرا حتى عندما دخل لبنان غيبوبة الحرب. ونحن شعب مفتت ويائس وعصبي وغارق في الانقسام حول صغارات السياسيين وفسادهم وتلونهم وحساباتهم، ولم يعد يجمع بيننا سوى ذلك اللبنان الذي رسمه الرحابنة وغنته فيروز.

فقط في فترة الصباح تضع كل الإذاعات أغاني فيروز ثم ينصرف بعضها إلى الشتم والتحقير والتخوين وجنون الذات. لم يعد من محبة ولم شمل إلا في صوت فيروز. ضبوا مطارقكم.