باب الحارة.. الخلفي!

TT

في هدوء شديد جدا وبعيدا عن الصخب والإبهار، قامت الخارجية الأميركية ببادرة في غاية الأهمية باتجاه سورية، فقد قامت بإرسال وفد رفيع المستوى مكون من كبار التنفيذيين في شركات التقنية الأميركية الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«ديل» وأنظمة «سيسكو» و«سيمانتك»، وكان من المتوقع والبديهي أن توجه الدعوة لستيف جوبز مؤسس شركة «أبل» العملاقة، المعروف أن أباه من أسرة الجندلي في حمص، لكن أباه «تركه» لتتبناه أسرة أميركية، وبعد شهرته وثروته حاول إعادة العلاقة معه من دون جدوى.

والغريب في إرسال هذه «النوعية» من الوفود تحديدا هو أن أعمالها مقيدة بشكل كبير جدا نتاج القيود الموضوعة من قبل الإدارة الأميركية نفسها التي تحظر بيع هذه التقنية لسورية.

الحظر التقني الأميركي على سورية كان يمنع بيع معظم منتجات هذه الشركات، لكن للبيت الأبيض «حق» رفع الحظر عن بعضها، وقد قامت الإدارة الأميركية العام الماضي ببيع بعض قطع غيار الطائرات المدنية لـ«الخطوط السورية».

وقد وضعت هيلاري كلينتون نصب عينيها التقنية الحديثة العالية كجزء أساسي من سياستها الخارجية، لاعتقادها الشخصي أن التقنية الحديثة والمعلوماتية والإنترنت ووسائل الاتصالات المتطورة ستسهم بشكل فعال ومؤثر في تحسين مناخ الحريات وتفعيل المشاركات الشعبية في صناعة القرار السياسي.

والرئيس السوري بشار الأسد معروف عنه شخصيا اهتمامه ومتابعته للمعلوماتية في سورية، وكان يرأس الجمعية السورية للمعلوماتية، وتبنى إطلاق البنية التحتية الأولية لها في بلاده، وقد أبدى حرصه على تطوير الوسائل والأدوات التقنية في بلاده، وأرسل إشارات بذلك للإدارة الأميركية.

وتأتي هذه الزيارة، التي من المتوقع أن تشمل زيارة مسؤولين حكوميين نافذين وزيارة أكبر جامعتين بسورية ومقابلة قادة من مجتمع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، وسط تشنج واتهامات أطلقتها الدوائر الإسرائيلية (ولم تنفها الإدارة الأميركية) بتمرير الحكومة السورية صواريخ سكود لصالح حزب الله اللبناني، وكذلك وسط تأخر في إقرار الكونغرس الأميركي اعتماد السفير الأميركي المرشح لدمشق روبرت فورد، حيث تتحفظ مجموعة من اليمين الأميركي على إحراز أي تقدم في العلاقات مع سورية لأنها تعتبر ذلك الأمر تهديدا للأمن الإسرائيلي.

لكن الواقع الجديد على الأرض العراقية وعلى الأرض اللبنانية يميل لتأكيد أن الخيار الأميركي للتقارب مع سورية بات مسألة وقت ومسألة تفاصيل وكيفية.

الفرقاء اللبنانيون وبأغلبية كبرى زحفوا إلى دمشق، وتقاربوا معها، والوضع في العراق يتحسن فيما يتعلق بالاختراقات الأمنية من الاتجاه السوري، ولا يمكن إغفال الأزمة الاقتصادية الخانقة والمقلقة التي يتعرض لها الاقتصاد الأميركي مما يجعله «يشمشم» بحثا عن الأسواق الجديدة والفرص الواعدة، وبالتالي فالسوق السورية (نتاج انعزالها وانغلاقها الهائل عن العالم) تعتبر فرصة هائلة ومبشرة لشركات التقنية الحديثة والاتصالات الثابتة والمتنقلة وكذلك شبكات الإنترنت والرقابة الأمنية للإنترنت والتجارة الإلكترونية والصيرفة الإلكترونية والطب الإلكتروني والتعليم الإلكتروني وغيرها من المجالات الأخرى.

المبادرة هذه هي اختبار واحتياج للمصالح المشتركة بين البلدين. هناك فرق كثيرة تتحرك وتتفاعل إزاء هذه المبادرة، فالجالية السورية الكبيرة الموجودة بالمهجر الأميركي الشمالي منقسمة، فهناك من يؤيد هذا الحراك ويدعمه بالصوت والقول والدعم، وهناك من يعترض عليه ويرفضه لأسباب سياسية مغايرة تماما (وهذا الانقسام موجود وبقوة داخل الجالية اليهودية التي هي من أصول سورية أيضا!). من أوائل الثمانينات عندما كان العالم يحتفل ويهلل ويرقص ويغني مع كل اكتشاف تقني جديد في عالم الشرائح الإلكترونية خرجت شركة «انتل» الأميركية بشريحة جديدة هي 386، لكنها كانت تأتي بشروط شديدة الوضوح بمنع بيع هذه الشرائح مع أجهزة الحاسوب لدول محددة مثل «سورية والعراق وإيران وليبيا والسودان»، لأن هذه الشرائح مع الأجهزة لديها القدرة على المساعدة في إطلاق الصواريخ العسكرية! علما بأن أجهزة الهواتف الذكية والكمبيوتر المحمول اليوم لديها أضعاف مضاعفة في قوة الشرائح الموجودة فيها.. زمن يتبدل وزمن لا يتبدل.. سبحان الله! ستكون مثيرة ومهمة الأيام التالية لزيارة الوفد الأميركي التقني لدمشق، ومعرفة النتائج الحقيقية لتلك الزيارة وانعكاساتها على الاقتصاد والسياسة السورية الأميركية.

هناك قرار أميركي جديد تم اتخاذه بحق سورية، علاقة جديدة تبنى، لكن تبقى معرفة التفاصيل في نوعية العلاقة ومدى شفافيتها على السطح.

[email protected]