ورطة فرنسا وتمنع الجزائر

TT

التعامل مع التوتر القائم في العلاقات الفرنسية - الجزائرية باعتباره زوبعة في فنجان أو مرحلة عابرة، لا يخلو في جزء وافر منه من قراءة موضوعية ورصينة. فالبعد التاريخي للعلاقات الفرنسية - الجزائرية والحجم الكبير للجالية الجزائرية في فرنسا من النقاط التي تجعل مسألة «الطلاق» بينهما مستحيلة وغير واردة، وذلك بحكم شروط تاريخية وأخرى راهنة تتجاوز إرادة الطرفين سواء الشعبين أو النخب الحاكمة في قصري «الإليزيه» و«المرادية».

بيد أن استحالة «الطلاق» وقطع العلاقات بين فرنسا والجزائر لا يعنيان أن الرضوخ لحتمية «الزواج» القسري سيغلق أمام الجزائر سبل المناورة الكفيلة بدورها بجعل البعد الحتمي للعلاقة مقبولا بل وإيجابيا.

ويظهر أن الموقف الجزائري أكثر قوة، ويمتلك الرئيس بوتفليقة من الأوراق ما يدفع بفرنسا إلى العدول عن تعنتها في خصوص رفض الاعتذار والتعويض المادي والمعنوي لأكثر من 133 سنة من الاستعمار والمآسي ومن شلالات الدم التي سالت، مما أذكى تمسك جيل الثورة في الجزائر بشروطه وبمطالبته بالاعتراف والاعتذار والتعويض. وبطبيعة الحال هذه الشروط التي أربكت الطرف الفرنسي وإن التزم برفضها جملة وتفصيلا فهي نتاج شطحة فرنسية غير مدروسة سياسيا، تمثلت في قانون 23 فبراير 2005 القاضي بتمجيد الاستعمار وإضفاء المشروعية على إيجابيته. واللافت للانتباه أن أصحاب هذه «الشطحة» المراهقة سياسيا قد بدأ بعضهم يتحرك مشيرا مند بداية الشهر الحالي في شكل يغلب عليه الإيحاء إلى نية الحكومة الفرنسية تخليد ذكرى مرور نصف قرن على استقلال بعض المستعمرات القديمة في أفريقيا.

المشكل القائم حاليا يتمثل في أن موقف فرنسا يعوّل على الصمت وعلى الوقت، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عندما اعترف بأن العودة القوية للعلاقات الفرنسية - الجزائرية تحتاج إلى مزيد من الوقت، خصوصا أن زيارة الرئيس بوتفليقة إلى فرنسا المؤجلة منذ العام الماضي زادت الأزمة توغلا حتى غدت عنوانا من عناوينها الكبرى.

ولكن التعويل على الوقت لا يتماشى بالمرة مع براغماتية ساركوزي ومن غير الوارد أن تتخلى الجزائر عن شروطها تحت ضغط مرور الوقت، والحال أنها تملك من الأوراق، ما يجعل من مرور أكثر للوقت تقوية إضافية لموقفها.

كما أن اقتصار فرنسا على سياسة جس النبض في الوقت الذي يسيل فيه لعابها طمعا في الميزانية الضخمة المقدرة بـ285 مليار دولار التي رصدتها الجزائر للمخطط الخماسي، يؤكد عدم قدرتها على إدارة ملف الشروط الجزائرية بشكل حكيم وبراغماتي أيضا. فهي بين الطمع المتزايد خصوصا بعد إصابتها بعجز مالي اقتصاديا، والخوف من تعاظم مظاهر التقارب الجزائري - الأميركي وآخر هذه المظاهر إعلان واشنطن عن سحب الجزائر من قائمة الدول التي لا بد من خضوعها للتفتيش المتشدد في المطارات الأميركية. إضافة إلى امتعاضها من موقف الجزائر من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، حيث إنها تصفه بالغموض وبالحيلة المفضوحة من أجل إقحام إسرائيل وفرض التطبيع على الدول العربية بطريقة غير مباشرة.

إذن من مصلحة فرنسا التعاطي بأكثر واقعية مع الشروط الجزائرية لأن الوقت الذي تحدث عنه ساركوزي ورأى في مرور القليل منه سببا كافيا لتجاوز المطالب الجزائرية هو ضد فرنسا أولا وبالذات. اللهم إذا كانت فرنسا غير معنية بالاستثمارات الجزائرية، وهو ما تفنده محاولات التقارب والرسائل التي يبعثها قصر الإليزيه أحيانا بقصد وفي أحايين أخرى تفلت منه!