أنا والكلب وصندوق الزبالة!

TT

طبيعي أن تحاول وأن تجلس طويلا وأن تعتدل في جلستك. أي أن تصلب عودك.. جالسا أو واقفا. وهذه الحركة تحتاج منك إلى دقيقة أو بعضها.. ولكن الإنسان استغرق مائتي ألف سنة لكي يحاول أن يمشي معتدل الظهر.. ثم اعتدل ظهره جالسا وواقفا.

وأنت لكي تضيء الغرفة فإنك تضغط على زرار أو على مفتاح. وهذه العملية البسيطة تستغرق ثانية أو ما دونها. ولكن الإنسان لاكتشاف النار ثم النور احتاج إلى مئات ألوف السنين. فنحن نعيش على تراث.. على تركة.. خلفها الأجداد من أجل تيسير الحياة علينا. فالطفل الآن يجد عند أطراف أصابعه كل المعارف الإنسانية على الإنترنت. وليس أسهل من أن يعرف ما أراد. ولكن ما أصعب أن نعرف عندما أراد جيلي. فلا كانت عندنا كتب ولا مجلات ولا إذاعة ولا تلفزيون ولا شبكة إلكترونية. وكنا نجمع المعرفة كما تلتقط الكلاب الضالة طعامها من الشوارع. أنا كنت أجلس في الأرض بحثا عن ورقة أقرأها. وكنت عندما أذهب إلى شراء شيء من البقال أرجوه أن يلفه في ورقة كبيرة لكي أجد شيئا كبيرا أقرأه.. وقد كوفئنا وعوقب الجيل الجديد. كوفئنا بأن الذي جمعناه بصعوبة نسيناه بصعوبة، والذي يجمعه الجيل الجديد بسهولة ينساه بسهولة أيضا. ولكن كل المعارف الإنسانية عند أطراف أصابعنا.. لما يمكن أن نعرفه في أي وقت وفي أي مجال..

والذين يقولون إن زماننا هو الزمن الجميل.. والله لم يكن كذلك، الا اذا كان ما كنت أفعله والكلب في وقت واحد عملا جليلا في صندوق زبالة واحد؛ هو يشمشم في الورق وأنا أحاول أن أنفض التراب لكي أقرأ بكل الاحترام والحفاوة هذا الذي لا أعرف!