طوبة على طوبة لتظل العركة منصوبة

TT

كأن ساحرة من ساحرات شكسبير المخترعة في مسرحيته «ماكبيث» قد تركت المشاركة في تقليب محتويات قدرتها الخبيثة لزميلاتها وحطت عند بوابة مصر تطن القر المشهور: «طوبة على طوبة لتظل العركة منصوبة»، حتى لم يصبح عندنا، في بر وبحر وجو، من لا يتشاجر ويزعق ويتنابز بأقبح الألفاظ خامشا وجارحا وطاعنا وناحرا، وهكذا بدا المشهد بمثابة خناقة في حانة للسكارى، كالتي نراها في الأفلام التجارية الرخيصة، تتطاير فيها الموائد والأكواب والزجاجات والأطباق والملاعق والشوك والسكاكين، وتضرب الكراسي في «الكلوب» وتنطفئ الأنوار ويفقد الصواب ويلبس الجميع في الجميع، ولا نتبين الحق من الباطل، والكذب من الصدق، والتلفيق والبهتان من قرائن الجرائم الثابتة وبراهين الفساد الدامغة، فلا تتأكد جناية الجاني ومظلمة المجني عليه، ولا نتثبت من عداء عدو أو إنصاف حليف؛ الكل يصرخ، وشبورة من الكراهية، يجز معها على الأسنان، تلف الرؤوس وتعمي البصر والبصيرة، حتى طالت منصة القضاء وساحات المحاماة وقيما في العدالة، كانت قد بلورتها مأثورات خطابة فصيحة تتأنق بها حوارات الأفلام: «يا صديقي وابن صديقي شرف الدفاع الذي ننشد فيه قدس العدالة لأحب وأعز علينا من مشاعرنا مهما آلمتنا!»، وتناثرت، بدلا عنها، شائعات القول كذباب قارص تحمله رياح السموم، تلسع وتلهب وتدمي وتترك الندوب، التي لا تنام أوجاعها، بعد الحطام فتظل بؤرة بغض يقظ يتوهج شرره للاندلاع حين يراد ويطلب منه ذلك.

لا جدوى الآن في مواجهة أو مناقشة أو رد لتصحيح معلومة، أو طرح لوجهة نظر، في طقس يسوده الاحتقان؛ حيث لا مجال للفهم، ولا مجال للوعي، ولا مجال للتذكر والمذاكرة والمراجعة والتقوى، فلا سمع ولا إنصات، والهيمنة متروكة لرغبة عارمة لتبادل اللكمات!

لا بد لنا من واحة نتنسم فيها شهيقا لا يتلوث وزفيرا، صادقا وصحّيا، ممكنا نوفره لعقلاء، لحظة ينجلي عن البلاد هيشان هذه الفوضى الخنّاقة، ويعود الناس يستلهمون من أدب وأخلاق دينهم سبل الرشاد. «وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ». صدق الله العظيم، المؤمنون 97\98.