طريق للخروج

TT

في ما يلي المفارقة الكئيبة عن الدور الأميركي داخل أفغانستان: كلما أظلمت الأشياء، كثرت العقبات التي نواجهها وكانت احتمالات بقائنا هناك لأجل غير مسمّى أفضل.

ولا يجب أن يكون الوضع كذلك، في ظل 90.000 جندي أميركي في أرض الميدان يقاتل إلى جانبهم مجموعة متنوعة من دول الناتو. ولكن إذا انهارت حملة مكافحة التمرد الحالية، فإن ذلك يعني تقريبا أن وجودا عسكريا أميركيا سيظل يدعم دولة أفغانية في 2020 وبعد ذلك. وسيؤدي الفشل إلى بقائنا داخل مصيدة، والنجاح هو الوسيلة الوحيدة للخروج.

لماذا؟ بسبب ثلاثة اعتبارات. أولا: ذكرى هجمات 11 من سبتمبر (أيلول) التي تجعل أي رئيس لأميركا كارها لأن تعود حركة طالبان إلى كابل في عهده. ثانيا: استمرار وجود قيادة تنظيم القاعدة في الجبهة الشمالية الغربية داخل باكستان، وهو ما يجعل من الصعب على أي رئيس أميركي التفكير في ترك قاعدة لعمليات مكافحة الإرهاب يمكن أن تتحملها أفغانستان. ثالثا: التقلب داخل المنطقة، فهي أكثر منطقة يحتمل أن يتحول فيها كابوس الإرهابيين المسلحين بأسلحة نووية إلى واقع. ولذا لا يمكن لرئيس أميركي أن يتحمل إفساد ميزان القوة عن طريق الانسحاب وترك فراغ أمني خلفه. ويوضح ذلك السبب الذي يجعل إدارة أوباما لا تختار بين البقاء في أفغانستان أو الانسحاب من القتال، خلال جميع نقاشاتها الداخلية ومراجعاتها للاستراتيجيات. ولكنها تختار بين وسيلتين للبقاء.

والأولى هي ما نقوم به حاليا، حملة مكافحة التمرد التي كان بطلها الجنرال ديفيد بترايوس (وكُلف حاليا بأن يمضي فيها قُدما) تسعى إلى وضع الأساس لدولة أفغانية مستقرة بالقدر الذي يمكنها من البقاء من دون دعمنا. والوسيلة الأخرى هي استراتيجية «تتجاوز مكافحة الإرهاب»، اقترحها نائب الرئيس جوزيف بايدن، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين، الخريف الماضي، كبديل ذي كلفة أقل. ويميل أنصار الانسحاب السريع إلى النظر إلى بايدن على أنه حليف لهم، وهم على صواب من ناحية، فخططته تعتمد على تقليل أعداد الأميركيين داخل أفغانستان وربما تقليل الإصابات بين صفوف الأميركيين أيضا.

ولكن من ناحية استمرار الدور الأميركي ومقدار أعمال العنف، فإن هذه الاستراتيجية يمكن أن تؤدي في الواقع إلى مأزق أكثر دموية واستمرارية.

وفي الواقع، لن تنهي هذه الاستراتيجية الوجود الأميركي لسبب واحد، وبدلا من ذلك فإن هذه الخطة تركز قوانا حول العاصمة الأفغانية وتحمي الحكومة الحالية مع السعي إلى صفقات مع بعض عناصر التمرد. ويظهر التاريخ أن هذه الصفقات يمكنها البقاء فقط ما دامت بقيت قوات أميركية داخل البلاد، وهو ما يعني أن جنودنا سيكونون داخل مصيدة يدافعون عن دولة وهمية يُطلق على رئيسها (سواء كان حميد كرزاي أو شخصا يخلفه أقل فسادا) الرئيس الأفغاني، رغم أنه لا يستحق سوى لقب عمدة كابل.

وفي الوقت نفسه فإنه بالتخلي عن أي جهد لتوفير الأمن للشعب الأفغاني والاعتماد بدلا من ذلك على هجمات باستخدام طائرات من دون طيار وغارات للقوات الخاصة، سيؤدي ذلك الاتجاه إلى زيادة في الإصابات بين المدنيين التي شوهت سمعة الولايات المتحدة داخل المنطقة. وجاء هذا الاحتمال ضمنيا في مقال مجلة «رولينغ ستون» الذي أطاح بالجنرال ستانلي ماكريستال الأسبوع الماضي. واعتمد مقال مايكل هاستينغ بدرجة كبيرة على شكاوى من أن الاستراتيجية الحالية تضع قيمة كبيرة على... أرواح الأفغانيين الأبرياء. ويشير أندرو أكسوم، من مركز الأمن الأميركي الجديد، إلى أن هاستينغ انتهى به الأمر إلى أن ينتقد استراتيجية مكافحة التمرد «لأنها لا تسمح لجنودنا بقتل عدد كافٍ من الأشخاص».

ويشير ذلك إلى أنه إذا برهنت الاستراتيجية الحالية أنها غير فعالة، فلن يكون البديل وقوف إدارة أوباما ضد الحرب. ولكن سيعني ذلك عددا إضافيا من القتلى بين الأفغان، ووجودا عسكريا شبه دائم. وعلى المدى الطويل سيعني ذلك المزيد من الأعداء مثل فيصل شاه زاد، الذي حاول تفجير ميدان تايمز، علما بأنه تحدث عن الإصابات بين صفوف المدنيين داخل أفغانستان كدافع رئيسي للتحول إلى العمل الإرهابي. وتعد كآبة الخطة البديلة أفضل حجة لإعطاء جيشنا الوقت الذي يحتاج لجعل مكافحة التمرد تحقق نجاحا. ولا يمكن أن نحافظ على الاتجاه الحالي لأجل غير مسمى، ولن نقوم بذلك. وقد كان قرار الرئيس أوباما بتحديد موعد نهائي علني خطأ، ولكن يعرف الجميع أن هناك حدودا للوقت الذي يمكن أن تستمر فيه زيادة القوات. ولكن من بين الخيارات التي يبدو البيت الأبيض مستعدا لدراستها، يأتي الخيار الذي يعطي أملا لانسحاب حقيقي من أفغانستان.

وعليه، سيكون ذلك ما يقاتل من أجله الجنرال بترايوس خلال العام المقبل، ولأكثر من ذلك، عدم البقاء للأبد، واستغلال ما تبدو كأنها فرصتنا الأخيرة للخروج.

* خدمة «نيويورك تايمز»