كافئوه بدل أن تعاقبوه!

TT

أوردت وكالة الأنباء الألمانية خبرا مفاده أن جمارك قرية البضائع في مطار القاهرة ضبطت محاولة لرجل أعمال للتحايل لعدم سداد الرسوم الجمركية عندما قدم فاتورة تساوي 263 دولارا للوحة فنية جلبها وعند إجراء البحث تبين أنها لوحة نادرة بيعت في صالة كريستي للمزادات بـ228 ألف دولار، وتقرر تغريمه وسداد مبلغ يصل إلى نصف مليون جنيه مصري، أي ما يقترب من نصف ثمن اللوحة تقريبا إذا أراد إدخالها.

انتهى الخبر وبقي السؤال: لماذا توجد رسوم وجمارك أصلا على أعمال فنية خاصة إذا كانت نادرة في حال كان المقصود إدخالها وليس إخراجها؟

وفي هذه الحالة لا يوجد من يستحق أن يلام، فموظفو الجمارك يطبقون التعليمات واللوائح التي تحت أيديهم، وقد اجتهدوا في ذلك ليعرفوا قيمة اللوحة الحقيقية. أما رجل الأعمال، فقد يكون جرب التحايل لخداعهم، ولكنه معذور أيضا، فعندما تكون اللوائح والتعليمات غير منطقية، يعني ذلك أنها دعوة مفتوحة لتجاهلها أو التحايل عليها. ويسجل له أنه ذواقة للفن وجلب لوحة ثمينة إلى بلاده ويستحق المكافأة على ذلك، بدلا من معاقبته. فالانطباع العام السائد الذي يجري الترويج له عربيا أن الجيل الحالي من رجال الأعمال غير مهتم بالثقافة أو الفن على عكس أجيال الأربعينات والخمسينات الذين كانوا يجمعون اللوحات النادرة ويرعون الفن والشعراء والثقافة.

هذه الحالة نموذج لتعليمات ولوائح وثقافة سادت لفترة في بعض البلدان العربية التي اتبعت نموذج الاقتصاد الموجه في الخمسينات والستينات والسبعينات، ثم غيرته بعدما اكتشفت أنها لا تستطيع مواكبة العصر بهذه السياسات، لكن التغيير يبدو أصعب مما كان متصورا، فلا تزال ثقافة التقييد تعشعش وتجعل تنفيذ سياسات وثقافة تحرير الاقتصاد والمجتمع في عالم المعلوماتية وثورة الإنترنت يتعثر في لوائح وتعليمات قديمة عفّى عليها الزمن وتبدو غير منطقية في بعض الأحيان.

وكما كسرت ثورة الفضائيات احتكار الأثير رغم أي محاولات تقييد، وجعلت ثورة المعلوماتية والإنترنت قيودا أو لوائح قديمة بلا معنى، أو غير قابلة للتنفيذ مثلما كان الحال قديما عندما كانت بعض الدول تفرض تصريحا خاصا على امتلاك جهاز فاكس قبل أن ينقرض خلال سنوات معدودة من ظهوره مع التطور التكنولوجي السريع، فإن هذه اللوائح ستتلاشى تدريجيا لأنها لا تفعل شيئا سوى تأخير التطور ومنع مجتمعات من التنفس بطاقتها الكاملة.

وللأسف، فإن لذلك ثمنه الباهظ في عالم اليوم، فالسباق أصبح إيقاعه أسرع، والتطورات العالمية في التكنولوجيا، وتسهيل وتبسيط الإجراءات تجعل المنافسة شرسة على اجتذاب الأموال والاستثمارات.. والنموذج الناجح لدولة كان فكرها موجها، فأدركت متطلبات السباق وفازت به.. هو الصين.