السادة المكرمون

TT

كرمت الجامعة الأميركية هذا العام ثلاثة أعتز بمعرفتهم الشخصية: الدكتور وليد الخالدي، أحد أعرق رموز العلم، والأستاذ أريك رولو، الفرنسي الذي عاش وعمل بهوية عربية، وغوار الطوشي، ابتسامة الفن العربي وساخر القضايا الاجتماعية. ينتمي وليد الخالدي إلى عائلة فلسطينية «توأمها لبنان». وبي ضعف كبير حيال جميع أفرادها، وما من أحد منهم إلا وتميز في كل ما عمل. وقد تشرفت بالعمل مع الدكتور الخالدي أوائل السبعينات في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، حيث أدركت لماذا يغبطه تلامذته وزملاؤه.

وعندما بدأنا الصحافة كان أريك رولو صاحب ألمع اسم في «الموند» التي كانت تضم نخبة صحافيي فرنسا. ومن أجل أن تعرف ماذا يدور في العالم العربي كانت الناس تقرأ أريك رولو. ومن أجل أن يخاطب عبد الناصر الغرب، كان يستدعي أريك رولو. وعندما شاءه فرنسوا ميتران سفيرا، أرسله إلى بلد عربي هو تونس، خصوصا بسبب صداقات رولو مع قادة منظمة التحرير. وبعد تقاعده ظل الرجل الصوت الفرنسي القانع والمقنع، يفيض موضوعية، ويتفوق على الدعاة العرب بسبب جديته ومهنيته ومتابعته، وخصوصا شجاعته الأدبية.

كان دريد لحام أستاذا في الكيمياء عندما قرر أن يضع قدميه في قبقاب خشبي ثقيل ويدخل به إلى «حمام الهنا». وقبله كانت الكوميديا السورية ضيقة الإطلالة قليلة الجمهور. وبعدما وجه الأنظار والأسماع إلى دمشق طوال سنوات، تشارك مع الشاعر محمد الماغوط في إقامة مسرح ضاحك وحاد وسياسي معا.

التقليد الذي دأبت عليه الجامعة الأميركية في تكريم المجلين، ارتفع بمستوى أعمال التقدير في العالم العربي. ومن النبل أن تخص الفنانين بالدكتوراه الفخرية، بدءا بفيروز ثم ماجدة الرومي، والآن عزيزنا دريد، الذي كم تمنيت لو يعرف العرب أيضا ذلك الجانب الجدي والثقافي من هذا المبدع الممتلئ بصفوة المشاعر.

قال وليد الخالدي في قبول التكريم «لمن المفرح وأنت على عتبة الخرف أن هناك بعض التقدير لأثر قدمك على الرمال». لعله أثر أقدام في التراب. تراب فلسطين، التي أعطت الكثيرين من الحكماء والعقلاء والكبار، وسقطت مرارا في قبضة المغامرين والبلطجية والذين تاجروا بها على الأعتاب وفي الأزقة. لقد أتى هذا العالم مسيرة لا أثرا. أنار العقول والدروب والمصابيح حتى في فورات الظلام والنزاع. ولا أدري كم دكتوراه فخرية أو أميرية يحمل وليد الخالدي. لكن هذا التكريم من نوع البر بالأبرار.