هل نحن عنصريون؟

TT

تابعت على مدى أيام التصريحات وردود الفعل الصادرة بشأن ما نشر عن تعرض سودانيين للضرب والإهانة من قبل عناصر في الأمن العام اللبناني وما ذكر عن عبارات عنصرية قيلت بسبب لون بشرة الأشخاص الذين اعتقلوا أثناء مداهمة حفل لهم واقتيدوا إلى أحد المراكز بشبهة أن بعضهم قد يكون مقيما بشكل غير شرعي في لبنان. ورغم أهمية متابعة الكلام الرسمي الصادر من مسؤولي البلدين فإن متابعة كلام الناس العاديين ورسائلهم تعقيبا على الخبر، كانت أهم لأنها تتيح قراءة ما هو أبعد من مجرد مشاعر الغضب بين السطور، خصوصا أن اتهامات العنصرية تدفع أحيانا تحت السجاد لأننا لا نخوض فيها بأي صراحة أو جرأة.

وقد لا يكون مناسبا هنا الخوض في تثبيت الاتهامات التي وردت على لسان السودانيين الذين تعرضوا للاعتقال في لبنان، أو نفيها حسب ما ورد في تصريحات لمسؤولين في الأمن العام اللبناني، وإن كانت مشاهد رجال الأمن وهم يضربون متظاهرين لبنانيين، خرجوا في مناسبات متفرقة في السابق للاحتجاج على بعض الأوضاع، ترجح أن تكون شكوى المعتقلين السودانيين من الإهانة وسوء المعاملة صحيحة. ولو كانت المسألة تعلقت بسوء المعاملة فقط لكان يمكن القول إن قوات الأمن في كثير من دول العالم تعاني من جنوح بعض أفرادها إلى العنف والقسوة، وهذا لا يمثل بالطبع موقفا عاما أو سياسة رسمية، لكن المشكلة هنا تتمثل فيما تردد عن كلمات عنصرية قيلت بسبب سواد بشرة المعتقلين أو سخرية من لغتهم العربية السليمة.

إن هناك مظاهر عنصرية في مجتمعاتنا ننكر وجودها، إما جهلا أو تجاهلا أو لعدم الإدراك أساسا بأن ما نردده أو نقوم به يعتبر جارحا ومسيئا للغير وحاطا من قدرهم. وبالطبع هناك تصرفات عنصرية تصدر عن سابق عزم وتصميم لإحساس طرف بالتعالي الذي يدفعه لازدراء الآخرين. وهذا الأمر لا يتعلق بهذه الواقعة تحديدا ولا بلبنان وحده، لأن هناك الكثير من المظاهر التي تؤشر إلى وجود التمييز بين المكونات المختلفة في مجتمعاتنا، وإلى حدوث ممارسات لا تخرج عن أي تعريف بسيط للعنصرية. ويمكن للإنسان أن يتمعن فقط في النكات التي يتم تداولها أحيانا والتي تسخر من مجموعات أو أجناس أو فئات معينة، ليكتشف سريعا أننا نمارس التفرقة ولو من غير قصد. ولعل اللافت هنا أنه حتى السودانيون الذين يشكون الآن مما حدث في بيروت ينسون أنه تحدث داخل حدود بلد المليون ميل مربع ممارسات توضع في ذات الخانة، سواء تجاه أبناء الجنوب أو الغرب. كما أن المفارقة هي أن الواقعة الأخيرة حدثت في بلد يفوق عدد أبنائه الذين يعيشون في الاغتراب حول العالم، عدد المقيمين داخل أراضيه، وبالتالي يفترض أنه أكثر تعاطفا إزاء «المغتربين» في أرضه.

بعض الذين ردوا على واقعة السودانيين في لبنان طرحوا قضية من هو العربي أصلا، وهل الجامع بين العرب هو العرق، أو اللون أو هي اللغة؟ فإذا كان الحديث هو عن العرق فإن هذا سيحصر العرب في المتحدرين من صلب القبائل العربية المحدودة والمعروفة، وسيخرج من ذلك كثيرون من لبنان إلى السودان، ومن الخليج إلى المحيط، ومن مصر إلى العراق، خصوصا أن دولنا اليوم تضم قوميات وعرقيات وديانات مختلفة، من الأكراد إلى الأقباط، ومن الأرمن إلى الأمازيغ. أما إذا كان الحديث عن اللون فهل هو الأبيض أم الأسمر أم الأسود، لأن مجتمعاتنا خليط من كل ذلك؟ ولو قلنا إن لون البشرة هو مؤشر من مؤشرات العروبة لخرجت دول من عضوية الجامعة العربية، وتجزأت أخرى. وهناك بالطبع من يقول إن العربي هو كل من يتكلم العربية لأن اللغة والثقافة هي الجامع بين المكونات المختلفة للدول العربية، والإسلام أوسع من ذلك لأنه يجمع بين العربي والأعجمي، ويمتد رقعة أكبر بكثير من حدود العالم العربي.

إن الجدل والنقاش حول من هو العربي أعمق من كل ذلك بكثير ولا يتسع المجال هنا لاستيعاب كل الطروحات المتباينة والجدل القديم العميق حول هذه المسألة. لكن بغض النظر عن حجم الاتفاق أو الاختلاف في هذا الأمر فإن كثيرين يلتقون حول مفهوم أن ما يصنع الهوية هو الإحساس بالانتماء، الذي يجعل من الممكن تجاوز التباينات والاختلافات بين مكونات أي مجتمع أو جماعة. ويقوى هذا الانتماء إذا ناقشنا وعالجنا أوجه قصورنا وأمراضنا من دون مواربة، ومنها بعض مظاهر العنصرية أو التمييز التي ننكرها أو نتهرب من نقاشها، ناهيك عن معالجتها. فعدم مواجهة مثل هذه المشكلات يضعف من بنيان «العالم» العربي الذي يعاني أصلا من شروخ وتصدعات كثيرة.