كيف يمكن لاتفاق سلام أن يجعل أفغانستان تبدو مثل لبنان؟

TT

في الوقت الذي يرفع فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما من عدد القوات داخل أفغانستان، ويدفع بالأموال إلى باكستان، يجري الإعداد لمخططات تستهدف الوصول إلى تسوية عبر مفاوضات قبل بدء الانسحاب الأميركي في يوليو (تموز) 2011. ويُعزز تعيين الجنرال ديفيد بترايوس الأسبوع الجاري قائدا للقوات الأميركية داخل أفغانستان من أهمية تحديد بنود هذه التسوية.

وبالنسبة إلى مَن ينتبهون بحرص إلى الصمت عن أشياء محددة، فإن الجزء الأكثر أهمية في خطاب الرئيس الأميركي خلال حفل التخرّج في «ويست بوينت» الشهر الماضي يتمثل في عجزه عن إعلان أي وضع نهائي للحرب داخل أفغانستان وباكستان. وكان ذلك واضحا عندما قال إنه يريد «دولة عراقية لا توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، ودولة عراقية ديمقراطية تتمتع بسيادة واستقرار وتعتمد على نفسها» ثم لم يذكر شيئا مماثلا عن أفغانستان.

ويرجع هذا الصمت الملحوظ إلى اقتناع متنام بأنه حتى إذا تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحالف من النجاح خلال الصيف الحالي في تطهير مدينة مثل قندهار من مقاتلي حركة طالبان، فإنه لا يوجد أحد يمكنه السيطرة على الأرض وبناء المؤسسات الضرورية أو تحمل المسؤولية بمجرد أن يُنهي الجيش عمله. وقد كانت تجربة فصل الربيع في تطهير المارجا دليلا على الصعوبة المحتملة للمهمة داخل قندهار، حيث بدأ مقاتلو حركة طالبان في التسلل عائدين إلى المارجا.

وقد رفعت وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أعداد المدنيين داخل أفغانستان خلال العام الماضي بمقدار أربعة أضعاف، ومع ذلك ما زالت الوزارة والوكالة غير واثقتين من كفاءة المقتدرات المدنية. ومن الواضح أن الحكومة الأفغانية لا يمكنها تحمل العبء.

وعليه، تبحث الإدارة الأميركية في الوقت الحالي عن خروج لائق يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات. ويمكن أن تلعب الاستخبارات الباكستانية بالإنابة (وكضامن) لحركة طالبان، مثلما فعل سلوبودان ميلوسيفيتش لصرب البوسنة قبل 15 عاما. وسيسلم الأميركيون كابل، وربما تسمح الاتفاقية لحركة طالبان بالسيطرة على أجزاء كبيرة من أفغانستان، ولكن مع إبقاء تنظيم القاعدة داخل باكستان، حيث قد توافق إسلام آباد على التعامل بقسوة مع مقاتلي التنظيم.

لقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أكثر من مرة عن «خطوطها الحمراء» ذات الصلة بهذا الاتفاق: نبذ حركة طالبان لأعمال العنف واستعدادها للالتزام بالدستور الأفغاني (الذي يضمن للنساء حقوقا متساوية)، بالإضافة إلى رفض السماح لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات بالعمل ضد الولايات المتحدة.

وإذا وصلت حركة طالبان بالفعل إلى السلطة في جزء من أفغانستان - بالسيطرة على الجنوب والمشاركة في السلطة داخل كابل، على سبيل المثال - يمكن أن تبدأ أفغانستان في التحول إلى مثيل لدولة لبنان، فهناك يسيطر حزب الله على أجزاء كبيرة من الدولة، ولديه قوات مسلحة تابعة له ويقدم الخدمات لجزء كبير من المواطنين اللبنانيين. ولكن لدى الولايات المتحدة ودول أخرى سفارات داخل بيروت، وتتعامل بصورة دورية مع الحكومة والبرلمان، وتحاول إقناع السلطات اللبنانية بالحد من نفوذ وسيطرة حزب الله.

وتشير الموازنات إلى مقارنات أقل قبولا، فالمنطقة التي يسيطر عليها حزب الله لا يمكن القول بأنها حرة. ومن الصعب تخيل أن تكون المنطقة التي تسيطر عليها حركة طالبان مثل ذلك بدرجة كبيرة. وعلى الأقل يُحد من حزب الله أمن حدودي إسرائيلي صارم. ولا يوجد شيء مماثل لذلك على الحدود الباكستانية الأفغانية التي يسهل التسلل عبرها. كما أن حركة طالبان لديها اهتمام بالحكم أقل من حزب الله، علاوة على أنها أقل شعبية كثيرا.

ويُعد حزب الله مصدرا مهما لعدم الاستقرار داخل المنطقة، ويقوم بتدريب وتسليح مَن يمثلون تهديدا لإسرائيل والدول العربية الأكثر اعتدالا. وحتى إذا لم تحاول حركة طالبان تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، فيكمن أن تبقى ضارة للمصالح الأميركية، كما هو الحال داخل باكستان.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي سيكون سعيدا بإنهاء حرب جعلته يقاتل ضد رفقاء من البتشون، فإنه من غير المحتمل أن يُعجب أعداء حركة طالبان داخل أفغانستان - الطاجيك والأوزبك المسيطرين على الشمال - بإعطاء جزء كبير من الدولة إلى مَن يعتبرون مجلس «كويتا شورى»، التي تدير الشريحة الأكثر أهمية داخل حركة طالبان، صاحبة السلطة المطلقة.

لقد قام كرزاي أخيرا بإقالة مسؤولين أمنيين مهمين، ظاهريا، عقب هجمات على مؤتمر السلام الوطني (جيرغا) الذي أعطى له تصريحا بالتعامل مع حركة طالبان. ولكن، كان الرجلان معارضين أفغانيين لمجلس «كويتا شورى».

وستلتقط باكستان وحركة طالبان إشارات عبر وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات الجديدين. فإذا جاء كرزاي بشخصين وفق هوى إسلام آباد، ووافق الأميركيون عليهما، فإن ذلك سيظهر أن الباب مفتوح أمام إجراء مفاوضات.

ولكن، من غير الواضح ما إذا كانت حركة طالبان تريد ذلك، حيث يبدو أن المقاتلين لا يشعرون بوقوع ضرر كبير على الرغم من الجهود الأميركية والأفغانية الجسورة في أرض الميدان. وربما لا تكون باكستان راغبة في إجبار حركة طالبان على التفاوض، أو غير قادرة على ذلك.

وعلى افتراض بدء المفاوضات بحلول فصل الخريف، فستوجد شكوك في الحفاظ على الخطوط الحمراء لكلينتون داخل أي جزء من أفغانستان تسيطر عليه حركة طالبان. ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يُهم أوباما هو منع تنظيم القاعدة من العودة إلى أفغانستان. ولا يزال النساء داخل جنوب أفغانستان يرتدون البرقع بالفعل. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيكون مصيرهم إذا وافقت الولايات المتحدة على سيطرة حركة طالبان؟

ومع ذلك، لا تزال هناك نتائج أخرى يحتمل حدوثها. ويجب على الرئيس البدء بتحديد الوضع النهائي الذي يرغب فيه. وربما يكون من الجيد البدء بـ«دولة أفغانية لا توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، وتكفل حقوقا متساوية لكافة مواطنيها، وتحافظ على سيادتها بمساعدة دولية ولكن من دون وجود قوات أجنبية على أراضيها». ولكن حينئذ، من المحتمل أن يتعين عليه إبقاء القوات الأميركية داخل أفغانستان بعد الانتخابات المقبلة بوقت كاف، ويبدو بصورة متزايدة أنه يُعترف بذلك الأمر. وسيفعل بترايوس خيرًا إذا أصر على تحديد وضع نهائي بصورة واضحة في الوقت الذي يتولى فيه مسؤولياته الجديدة.

* نائب الرئيس لمراكز ابتكار بناء السلام بالمعهد الأميركي للسلام. وهذه الآراء تعبر عن وجهة نظره.

** خدمة «واشنطن بوست»