الشاعر والسيارة

TT

كما كان للإبل مكانة خاصة في قلوب الشعراء العرب، حلت الآن السيارة محلها في قلوبهم. اكتشف هذه الحقيقة صدام حسين فراح يكسب تأييدهم بإهدائهم سيارات مرسيدس. ولا أدري كيف فات على عبد الرزاق عبد الواحد أن يضم إلى مدائحه قصيدة في مدح المرسيدس. بيد أن أحمد شوقي رأى السيارة المستعملة المستهلكة التي اشتراها صديقه الدكتور محجوب ثابت فانبرى بقصيدة طويلة في وصفها:

لكم في الخط سيارة

حديث الجار والجارة

«أوفرلاند» ينبيك

بها القنصل «طمارة»

إذا حركتها مالت

على الجنبين منهارة

وقد تحرن أحيانا

وتمشي وحدها تارة

ولا تشبعها عين

من البنزين فوارة

ولا تروى من الزيت

وإن عامت به الفارة

ترى الشارع في ذعر

إذا لاحت من الحارة

كان ذلك زمانا يعيش فيه معظم الأدباء والمثقفين في ضنك وعسر. في هذه الأيام أصبحوا مدللين بعد أن أخذت حكوماتهم تقمع لسانهم بإهدائهم آخر وأفخم السيارات. وكما عانى محجوب ثابت من سيارته المستهلكة، كذا كان الأمر مع الدكتور مصطفى جواد، فقيه اللغة العربية. تعطلت سيارته السكراب يوما ولم يعرف كيف يصلحها. قضى مصطفى جواد حياته يصلح عربيتنا بعموده الأسبوعي «قل ولا تقل». ولكنه ككل من قضى حياته في النحو العربي، لم يعرف كيف يصلح سيارته. فقصد بيت الشاعر والأديب مير بصري طالبا مساعدته.

لا أدري لماذا تصور أن هذا الأديب اليهودي سيستطيع إصلاحها. ولكن الناس في هذه الأيام يستنجدون باليهود في أي مشكلة. لم يجد صاحبه في البيت. فكتب له هذه الأبيات:

سيارتي جاءت إلى بابكم

تطلب كأسا لصفاء الشراب

وهي عروس أنتم أهلها

و الأهل أولى بإجاب الطلاب

لا تحرموها عطفكم ولتعد

بكل ما تهوى وحسن المآب

«شفرولة» الاسم ولكنها

فاقت على الخيل الكرام النجاب

تنفث بالآداب آلاتها

تعليمها الآداب شيء عجاب

يظهر أن «الشيفورليه» قد احتاجت لماء لتبريدها. ولكن سيارة عبود الكرخي نفد بنزينها فاتهم صاحب الكراج بغشه:

ليش يا دويج الحزين

يا أبو مرة اللعين

ما تدير البنزين

كافي بالفورد وتسير

قوم احلف لي بدينك

كان كافي بنزينك؟

الكرخي تعرف يهينك

بالجرايد لو تطير!