ملاحقة بسبب الـ«فيس بوك».. قضية خاسرة

TT

تعذر علي الاطلاع على تعليقات لثلاثة شبان عبر موقع الـ«فيس بوك» تناولت بشكل سلبي رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان. الشبان الثلاثة أوقفوا بتهمة ارتكاب جرائم قدح وذم بحق شخص الرئيس سليمان، وترافق اعتقالهم مع حملة تبرير انخرط فيها سياسيون ونواب، بل حتى وزير العدل نفسه، معتبرين أن كلام الشبان قد خلط بين الحريات الإعلامية والسياسية وجرائم القدح والذم..

لم أجد أثرا لـ«الجريمة» التي يفترض أن هؤلاء الشبان قد سطروها عبر صفحاتهم الخاصة في الموقع الاجتماعي، لكنني وجدت في المقابل مجموعة من المدونات و«التويترات» (نسبة إلى موقع «تويتر») التي تنتقد خطوة توقيف ثلاثة شبان لأنهم أبدوا آراء لاذعة وقاسية بحق سليمان.

تعجز وقائع من نوع ما أقدمت عليه السلطة اللبنانية عن تكريس موقع السلطة؛ أولا، لأن هذه السلطة فشلت في محطات كثيرة أن تثبت موقعها بصفتها موقعا حياديا حاميا للأفراد والمجتمع. وثانيا، لأن هذه السلطة ستكتشف كما اكتشف كثيرون غيرها أن قدرة الضبط والحد لديها باتت منعدمة الفعالية أمام ثورة الاتصالات التي لا تكف عن مفاجأتنا بقدرتها على الالتفاف حول شتى أنواع الرقابات. هذا لا يعني أن السلطات السياسية ستتوقف عن المراقبة والقمع، فهذه السلطات ترى أن الحرية خطر عليها ونقيضا لها، وهي متشبعة بهواجس لا تستكين إلا إذا ضبطت ألسنة مواطنيها وأفعالهم.

في حالة شباب الـ«فيس بوك» الأخيرة ومهما كان ما قالوه مسيئا، وهذا أمر موضع جدل، فإنه حتما لا يستدعي أن يقدم مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية على توقيفهم. لا شك في أن المكتب المذكور والمدعي العام التمييزي، وحتى وزير العدل، لديهم كثير من القضايا والمشاغل التي تستحق وقتا وجهدا هو أكثر إلحاحا من الجهد الذي يبذلونه إزاء قضية خاسرة سبق أن خاضها آخرون عجزوا عن استدراك مفاعيلها السلبية ضدهم. والجهد هنا ليس بصياغة قانون قامع لحريات أتاحها فضاء الإنترنت كما يجري حاليا في كواليس لجان مجلس النواب، بل في تفعيل هذه الفضاءات تقنيا وتنظيمها وليس قمعها ورصدها مخابراتيا.

خلال بحثي عن مضمون التعليقات التي استحق عليها الشبان الثلاثة التوقيف وجدت صفحات خاصة لما يقال إنهم معجبون بالرئيس اللبناني، وهي صفحات حافلة بتعليقات تكيل الكثير من المديح والثناء للرئيس سليمان.. أكثر ما لفت نظري من تلك التعليقات ما حرفيته: «نرجو منك يا فخامة الرئيس أن تحكم لبنان بقبضة من حديد كما حكم الشهيد القائد صدام حسين دولة العراق».

حين قرأت التعليق السابق اختلط علي الأمر؛ فقد رأيت في تمني أن يعمد رئيس عربي إلى أن يمارس سلطته وفقا للنموذج الصدّامي أمرا مهينا. هذا التعليق مدرج منذ أشهر ويبدو أن أحدا لم يعترض عليه. طبعا ليس كلامي دعوة لملاحقة أحد، ولكن يبدو أن هناك خلطا في ماهية الذم والتحقير..

في رأيي، مثل تلك الدعوات فيها الكثير من ذلك..

diana@ asharqalawsat.com