لماذا يا شيخ الأزهر؟

TT

لم يتأخر شيخ الأزهر في مصر، الدكتور أحمد الطيب، عن الدخول في معضلة الفتاوى السياسية في عالمنا العربي، فأفتى مؤخرا بأن «المصالحة الفلسطينية فريضة شرعية وواجب مقدس»، وأن «من يعرقلها أو يؤخرها آثم».

لست ضد فكرة المصالحة وأهمية رأب الصدع الفلسطيني.. كل إنسان حريص يتمنى أن يحصل هذا الوفاق بين فتح وحماس، ليس من أجل خواطر عباس أو مشعل، بل رحمة بأهالي الضفة وغزة من أن يستخدموا في بازار السياسة والمساومات الإقليمية الكبرى.

هذا هدف نبيل وغاية سامية، لكن الشقاق بين فتح وحماس ليس قضية أخلاقية فقط، هي مسألة في صميم السياسة ودهاليزها. فورقة المصالحة الفلسطينية، هي جزء من أوراق اللعب بين محاور القوى في الشرق الأوسط، فقد أصاب «القضية» حمى التوظيف الإقليمي، كما أصاب ساحة لبنان، وقد قيل عن هذه المسألة الكثير، ويعرف القارئ والمتابع، وجوه هذه القوى المتصارعة، وأدوات الصراع من العراق إلى لبنان وفلسطين، فلا حاجة للتكرار.

حسنا.. الحجة الدينية والموقف الشرعي بجانب من بين الفصائل الفلسطينية في هذه الصراعات والخلافات؟

جماعة حماس ومن معها من مجموعات دينية في غزة وغيرها، سيقولون: نحن أهل الموقف الشرعي والحجة السماوية، ولن يعجز «الخطيب المفوه» الشيخ إسماعيل هنية، وهو رئيس حكومة غزة أيضا، عن أن يرد الصاع صاعين لشيخ الأزهر، ويورد بدل الحديث عشرات الأحاديث والآيات، مرفوقة بما تيسر من أبيات الشعر الحماسية والمؤثرات الصوتية، وخلفيات التكبير الجماعي من الحضور.

وربما تجد جماعة فتح، وقد وجدوا بالفعل، من يبادل هنية ورفاقه الحجة بالحجة، والحديث بالحديث، والشعر بالشعر.

باختصار، لا فائدة من استحضار الحجة الدينية ومحاولة توظيف رصيد معنوي معين في حلبة صراع سياسي ما. الخاسر في هذا التوظيف هو الرصيد المعنوي نفسه، ولن تستفيد السياسة شيئا مهما.

من قبل اتهم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح خصومه في الحراك الجنوبي بأنهم «مرتدون» عن الإسلام، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن علق على هذا الأمر.

وهذا السلوك في استخدام الثقل الديني في الخلافات السياسية سلوك متفش في الساحة السياسية العربية لدى أغلب الأطراف.

هذا سلوك خاطئ.. لأنه يجب أن يظل العنصر الجامع، وهو الرصيد المعنوي والأخلاقي للدين، أحد مكونات الهوية الحضارية لسكان هذا الجزء من العالم، بعيدا عن الزج به في حلبات الصراع.

نحن نشكو من توظيف جماعات الإسلام السياسي للدين في طموحاتها السياسية. فكيف يأتي مثل شيخ الأزهر وهو الرجل العاقل العالم، ويقع في هذا الفخ نفسه؟!

ليت شيخنا الكريم أحمد الطيب يكرس جهده في شرح الإسلام الجامع ومعاني التسامح والفقه الجديد، وإبعاد جواهر الدين ونفائسه عن سوق السياسة.

مع أن الأمنية، كل الأمنية، أن تتم المصالحة الفلسطينية بأسرع وقت، لكن تلك قصة أخرى.

[email protected]