غباء وذكاء

TT

لبعض الصبية الصغار ذكاء وسرعة بديهة أفضل من بعض الكبار كثيرا، وفي تراثنا أمثلة من ذلك..

فيقال إن المعتصم أثناء مروره في البلاد دخل دار رجل فقير لتفقده، ووجد فيها إلى جانب الرجل وزوجته ابنه الصبي الذي لا يزيد عمره على 12 سنة، فسأله المعتصم: «أيهما أحسن؛ دار أمير المؤمنين أم دار أبيك؟!».

فرد عليه الصبي بكل ذكاء: «إذا كان أمير المؤمنين في دار أبي، فدار أبي أحسن».

فقهقه المعتصم حتى بانت نواجذه، ثم مد يده أمام الصبي، وكان يزين إحدى أصابعه خاتم ثمين، وسأله سؤالا أغبى من الأول: «هل شاهدت في حياتك أحسن من هذا الفص في هذا الخاتم؟!».

فأجابه الصبي بكل خبث: «نعم، إنها اليد التي هو فيها».

عندها خلع المعتصم الخاتم ومنحه للصبي، واشترى للرجل منزلا كبيرا لم يكن ليحلم به.

وراقني أكثر من ذلك الصبي صبي آخر عندما كان يستمع بشغف وإعجاب لقصيدة كان يلقيها الشاعر الفرزدق على مجموعة من الناس في جامع البصرة، ولفت نظره حسن استماع ذلك الصبي له، فلما انتهى من إلقاء قصيدته، التفت للصبي وسأله: «كيف سمعت يا بني؟!».

فقال: «حسن يا عم».

فسأله مرة أخرى بغباء قائلا: «أفَيَسُرّك أن أكون أنا أباك؟!».

فرد عليه الصبي بذكاء وخبث لا يقلان عن الصبي الأول، عندما قال: «أما أبي، فلست أرضى به بديلا، ولكنني وددت أن تكون أنت أمي».

فضحك من رده كل من كان في الجامع، وأصبحوا بعد ذلك لا ينادون الفرزدق إلا بـ«الفرزدقة»، وقال بعدها: «إنني لم أخجل في حياتي كلها قدر خجلي من إجابة ذلك الصبي اللعين».

* *

لا أريد التدخل في الأحاديث صحيحها من حسنها، ولا ضعيفها من مكذوبها، فذلك ليس من شأني ولا اختصاصي، ولكنني كأي مؤمن ومسلم تنتابني أحيانا الغيرة، ولا يقل عنها الغضب، عندما أجد بعض الناس يرددون أحاديث لا تدخل العقل نهائيا، كترديد أحدهم الليلة البارحة حديثا مرويا عن «أبو هريرة» رضي الله عنه، بأن الرسول الكريم قال: «الشؤم في ثلاثة: الدار والمرأة والفرس».

هؤلاء الناس مع الأسف ضربوا بحديث آخر عرض الحائط، هو الحديث نفسه الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها عندما عارضته قائلة: «إن ذلك الحديث لم يحفظه أبو هريرة كاملا، حيث إنه دخل علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قاتل الله اليهود) عندما يقولون: الشؤم في ثلاثة: الدار والمرأة والفرس، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله».

الشاهد أنني عندما تصديت مصححا لذلك الشخص الذي كان يصر على حديث أبو هريرة، وقف ونط في وجهي وعينه تقدح شررا قائلا: «ماذا تقول، ماذا تقول؟! استغفر، استغفر، تريد أن تكذب صحابيا من صحابة رسول الله؟! مين انت حتى تتكلم يا (...)»

عندها كنت بين احتمالين؛ إما أن أصعد الموضوع، وعندها لا أضمن أن أدخل معه في معركة بالأيدي، خاصة أنه ما شاء الله؛ طول وعرض وعضلات، أو أن أستغفر الله، فاخترت الاحتمال الثاني وأنا أهز رأسي وأبتسم.

[email protected]