وقد باع الماء في حارة السقايين

TT

عندما كنا نقرأ «صباح الخير»، على أساس أنها سلوى وابتسامة أهل مصر وأهل بر مصر (أي الكوكب الأزرق)، كنا نتعلم منها حياة مصر ونواحي تلك الحياة وجهاتها قبل أن نسافر إلى القاهرة بما وفرنا من قليل الوفر وقليل التوفير. وتعلمنا خصوصا الأمثال، ومنها «جاي يبيع المي في حارة السقايين». ولا أكثر ما يضحك من بائع المياه حيث التجارة الوحيدة هي المياه.

وكنت كلما تابعت أخبار نقولا حايك، أضحك، وأحيانا مستلقيا على ظهري. لقد تحول هذا اللبناني الخالي من روح الدعابة مثل مواطنيه السويسريين، إلى أهم بائع ساعات في سويسرا. وعندما توفي قبل أيام كان يجلس حقا على عرش الساعاتيين ومجد أمجاد سويسرا: بريغيه.. أوميغا.. بلان بان.. و17 نوعا آخر بينها «سواتش» الساعة البلاستيكية التي اخترعها لينقذ صناعة الساعات من الغزو الياباني المدمر. حاول أن تسمي الآن ماركة أثرية مثل «بريغيه» أو جيلاتينية مثل «تيسو» تجد أنها كانت جزءا من إمبراطورية نقولا حايك.

لم يكن «قريبا من القلب». كان جفائيا ومتشاوفا وينتفض عندما يحاول أحد تذكيره بأنه عندما ترك لبنان في العشرين، كان دمه قد أدمن المناقيش بالصعتر والحمص «المتمم» ومواويل وديع الصافي، وعن حق ووفاء كان يشعر بأنه مدين لسويسرا. فلو أنه بقي في لبنان لربما لم يكن أكثر من مصلح ساعات عند «حاووز الساعاتية». لذلك قال مرة في مقابلة مع الزميل ريكاردو كرم «إذا كانت الهوية اللبنانية فطائر صعتر ولبنة، فأنا أتناولها كل صباح».

والأرجح أنه عندما توفي عن نحو 5 مليارات دولار، من الذهب والبلاستيك والجيلاتين والاختراعات العبقرية، من «السواتش» إلى سيارة «سمارت»، كان يحلم بالخمسة الآتية. وكان يفاخر بأن الكبار يأتون إليه «للمساعدة» في تطوير بلدانهم. من جاك شيراك إلى رفيق الحريري إلى المستشار هلموت كول.

وبسبب إتقانه الألمانية (زوجته من زيوريخ) وبسبب الشبه التام في اسم العائلة مع إحدى أشهر عائلات ألمانيا، لعب نقولا حايك لعبة «الألمنة» زمنا طويلا. ولم يقر بالفرق بين حايك الليطاني وحايك الراين إلا بعدما أصبح الفارق بلا معنى. فقد أصبح المهم هو صاحب الاسم وما حقق. وربما بقي الألوف من حايك الآن وكلاء ساعات عند العزيز نقولا.