إنهم أعز الناس..

TT

نحن أبناء المنصورة من أصول فرنسية أو تركية. وعندنا جاليات أجنبية كثيرة ولها مدارسها وكنائسها. ولذلك كان المألوف أن نتكلم ونحن صغار لغات كثيرة. وكان الأجانب يعلموننا ويعطوننا مكافآت مالية أيضا، ولذلك تكلمت الفرنسية والإيطالية والألمانية صغيرا.. وكثيرون غيري. ولم يمض يوم في حياتي لم أردد فيه هذه الأسماء: جرجس وحنا وكوهين وليفي وجاك وماريان وفيوليت وأرليث.. وهي أسماء لزملاء في المدرسة أو جيران.. وكلنا نلعب في الشارع.. أو نلتقي في المكتبة العامة.. أو نجتمع في دكان كوهين الذي يبيع الورنيش والدبابيس والكبريت. ونشارك زميلنا في البيع أثناء غياب والده.. وكذلك الزميل جرجس فأبوه ترزي. ويترك لنا المحل ونتولى خدمة الزبائن في كي الملابس أو تنظيف المحل. لم يحدث أن تساءل أحدنا: ولكن لماذا؟ ولا عندما عرف أبي أو أمي فاستنكر ذلك.. وإنما كانت والدتي تراه أخوة ومحبة وسلوكا أخلاقيا سليما.. وكانت أمي تزور زوجات اليهود والمسيحيين وكن يزرنها أيضا. وكنت أرافق أمي إلى المستشفيات تحمل الورد والفواكه إلى طفل مريض أو إلى أمه أو إلى أبيه.. والطفل زميلي في المدرسة. وفي إحدى المرات طلبت أمي مني أن أرتدي ملابس نظيفة قاتمة وأن أقوم بمسح حذائي. ونصحتني أن أجلس في صمت مهما رأيت.. وألا أتكلم. وكان لا بد أن أذهب إلى الكنيسة فقد توفي والد أحد الأصدقاء. ذهبت وجلست في الصف الأخير ووجهي في الأرض. وسمعت ولم أكن أعرف. ولم أفهم..

وحتى تلك اللحظة لم أكن أعرف معنى أن يكون الإنسان مسيحيا أو يهوديا.. وما الفرق. ولا معنى أن تقبلني أم مسيحية أو أم يهودية. ولا أن أجدها في بيتنا أو أن أذهب مع أمي إلى بيت جرجس وبيت كوهين..

حتى جاء أحد أقاربي ووجدني ألعب في الشارع. واستوقفني وسألني عن أبي وأمي.. ثم عاد يسألني: أنا سمعتك تقول جرجس وكوهين..

قلت: نعم..

قال (مستنكرا): ألا تعرف أن هذا قبطي وذاك يهودي.. كيف تلعب معهما. وهل أمك تعرف؟ قلت: إن أمهاتهم صديقات لأمي. فعاد مستنكرا: ووالدك يعرف؟ قلت: وهو أيضا يزورهم!

وسألتني أمي. واستنكرت تساؤلات قريبنا. وبدأت أفكر. ثم عرفت فيما بعد. وظلوا أعز الأصدقاء!