اغتيال براءة الطفولة

TT

استوقفني خبران هذا الأسبوع لما بينهما من ترابط تراجيدي رغم تباعدهما الجغرافي الظاهر.

الأول إحراق رجال ملثمين لأحد معسكرات الترفيه الصيفي التي تديرها وكالة غوث اللاجئين بأموال الأمم المتحدة للترفيه عن أطفال غزة وإدخال السعادة في قلوبهم الصغيرة، باللهو على الشاطئ كملايين أطفال العالم.

اعتدى المسلحون على حارسي المعسكر (غير المسلحين)، وقيدوهما مكممين قبل تدمير ألعاب المعسكر وإضرام النار في منشآته. وللطف الله، لم يُصب أحد من الأطفال، لكنهم صدموا نفسيا في الصباح لرؤية ألعابهم مدمرة حرقا.

الخبر الثاني كشفه زميلنا توماس هاردينغ مراسل «التلغراف» من سانجين في أفغانستان، حيث استغلت عصابات طالبان، بخبث دنيء، أطفالا ما بين السادسة والتاسعة لإجبارهم على نقل المفرقعات وزرع الألغام (ويعالج أطباء الجيش البريطاني أطفالا دون السابعة فقدوا أطرافهم أو أبصارهم بانفجار مفرقعات أجبروا على نقلها).

أفخاخ «IEDs»، وهي الأحرف الأولى من «Improvised Explosive Device»، مسؤولة عن 85% من ضحايا الجنود (وأضعافهم من المدنيين الأفغان)، صنعت بحشو أوعية معدنية بمفرقعات مع شظايا وأحجار، على جانب الطريق، وتفجيرها باتصال لاسلكي.

سرية تشارلي من مجموعة الكوماندوز 30 من سلاح المهندسين البريطاني طورت أجهزة لكشف الإرهابيين أثناء تجهيز الأفخاخ، وتمكنت من اعتراض وإبطال 44 محاولة في الشهرين الماضيين.

وبدلا من مواجهة الجيش، يجبر جبناء طالبان الأطفال دون العاشرة على نقل المتفجرات وزرع الألغام، وبلغت نسبة المتفجرات التي زرعها أطفال 20% من مجموع الألغام المضبوطة طوال شهر مايو (أيار).

الجنود البريطانيون لا يطلقون النار أبدا على الأطفال، حتى إذا كان الطفل مسلحا وبدأ بإطلاق النار، حسب قواعد الاشتباك الرسمية «Rules of Engagement»، ومخالفتها تعني محاكمة عسكرية.

التعليمات هي تجريدهم من السلاح واصطحابهم لأسرهم، مع مشرف اجتماعي محلي (أو من الجيش إذا لم يتوفر المحلي الأفغاني)، وأخذ تعهد قانوني كتابي من ولي الأمر بمسؤوليته عن حماية الطفل من اللهو بالأسلحة. ولاحظ استخدام تعبير «اللهو» حتى لا يسجل للطفل ملف إجرامي يحرمه من الدراسة، مقارنة باستهتار طالبان بسلامة الأطفال جسميا ونفسيا.

أهالي الأطفال الذين احتجوا على استغلال أطفالهم في أعمال الإرهاب تعرضوا لضرب طالبان أو التهديد باختطاف بقية الأطفال وإعدامهم إذا أبلغت الأسرة السلطات.

الربط الظاهري الأول بحوادث حرق معسكرات الترفيه الصيفية للأطفال في غزة وبين خبر الاستغلال الدنيء لأطفال أفغانستان، هو مسألة اعتراض الآباء والأمهات.

أسر أطفال غزة تفضل معسكرات الأمم المتحدة على المعسكرات الصيفية التي تديرها حركة حماس. فأكثر من ولي أمر يرى معسكرات حماس (حسب قولهم لا قولنا) تدريبا على العنف، ويتهمها بـ«عدم أخذ حاجة الأطفال النفسية للترفيه واللعب في الاعتبار». أخصائيو سيكولوجية الطفل يرون اللعب للطفل مثل الكتب للكبار، ونشاط الترفيه الجماعي كندوات المناقشة للكبار. وتخشى الأمهات أن يشب الصبيان بكراهية للآخر، ووضع آيديولوجية التطرف في أدمغتهم الغضة لسهولة العبث بها وتحولهم إلى انتحاريين في المستقبل، أو على الأقل إلحاق الأذى السيكولوجي بنفسياتهم وشخصيتهم بتمجيد رومانسية العنف دفاعا عن آيديولوجية يسهل زرعها في أدمغة الصبيان في جو المعسكر، باستخدام غريزة التنافس على القوة عند الذكور.

وعلى النقيض، فإن معسكرات وكالة الغوث الـ1200 يبذل إخصائيوها أكبر جهد لتلحق بمستوى آلاف المعسكرات الصيفية في أوروبا وأميركا وبقية أنحاء العالم المتحضر، خصوصا في ما يتعلق بالنظافة، والتغذية المتوازنة، والأمن والسلامة التي تضعها إدارة المعسكرات في الاعتبار الأول، فشقاوة الأطفال تعرضهم للحوادث.

معسكرات الأمم المتحدة لا توظف مشرفين ومعلمين ومعلمات ومدربين أو تربويين من الجنسين إلا بعد تأكدها من أن حالتهم النفسية سوية، وأنهم لا يعانون من العقد والإحباطات التي قد تؤدي بهم إلى إساءة معاملة الأطفال أو نفاد صبرهم (وأي أب أو أم يدرك مدى قدرة الأطفال على إجبارك على فقد هدوئك). إدارات هذه المعسكرات تستقطب خبراء تربية الأطفال والترفيه عنهم وتثقيفهم من مختلف الجنسيات والخلفيات. وتوفر الوكالة الكتب التي توسع مدارك الطفل، وتسجيلات الموسيقى التي تطربه، وأخرى ترهف أحاسيسه، «فالموسيقى هي غذاء الروح»، ولا يمكنك «أن تثق بشخص لا توجه الموسيقى نظرته للعالم»، (والقولان لشاعر الإنجليز ويليام شكسبير في مسرحيتيه «حكاية شتاء»، و«تاجر البندقية» حسب الترتيب).

معسكرات وكالة غوث اللاجئين للترفيه عن الأطفال وتثقيفهم أثناء العطلة الصيفية، هي مشروع متكامل، مجرب لعقود من السنين، وهي جزء مهم من تربية الأطفال من الجنسين وتعريضهم لأعلى مستويات الثقافة، وتوسيع مداركهم ومعارفهم، وتعليمهم، من الصغر، التحضر، وتثقيفهم على المناقشات بأدب والتعبير عن أرائهم بحرية والانتماء إلى الجماعة، والأهم تأهيلهم ثقافيا وذهنيا ونفسيا لتقبل المساواة التامة كمقابل للحرية التامة.

فالمعسكر لا يفرق في الدين أو اللون أو العرق أو الخلفية الاجتماعية بين ابن الطبيب أو ابنة منظف الشوارع، ولا يفرق في الجنس لأن الأطفال من الجنسين.

النقطة الأخيرة هي التي استغلتها حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة ومنافذه، الرسمية وأنفاق التهريب، بيد من حديد، لإصدار الفتاوى الجاهلية بعدم إسلامية معسكرات الأمم المتحدة التي يفضل الآباء والأمهات التحاق صبيانهم وبناتهم بها على المعسكرات الصيفية التي تديرها حركة حماس.

اختلاط الجنسين هو العقدة. وأكثر من مسؤول (بعضهم منتخب للمجلس الوطني) اتهم الأمم المتحدة بتخريب أخلاق النشء بالخلط بين الصبيان والفتيات (رغم أنهم جميعا دون سن البلوغ).

والاختلاط طبعا جريمة في عرف الإسلاموجية المولودين من رحم جماعة الإخوان وفروعها (وأحدها حماس) وبناتها وأحفادها. آيديولوجياتهم لا تؤمن بالمساواة بين البشر، ولا تؤمن بأن للفتاة التي ستكبر زوجة وأما، حقوقا مساوية لحقوق الصبي الذي يكبر رجلا. ولا تؤمن بمساواة المسلم بغير المسلمين الذين يسميهم دعاة هذه الجماعات بـ«القردة والخنازير».

فليس من المعقول أن تتحرك عصابة من أكثر من ثلاثين رجلا وشابا، مدججة بالسلاح ومعها صفائح وخزانات البنزين والكيروسين اللازمة لحرق المعسكر، بحرية في غزة، ويكون أمامهم فسحة من الوقت للاعتداء على حراس المعسكر، وقضاء أكثر من ساعة يعيثون في المعسكر فسادا وتدميرا وحرقا، دون أن تلاحظها حماس التي لها عين في كل مكان بدليل سرعة انقضاض «بوليسها» على أي فتاة أو امرأة فور انحسار حجابها أو كشفها عن «مفاتنها» في أحد الأسواق أو الشوارع، لإجبارها فورا على «التحشم» بالقول أو الصفع أو العصا.

فهل نستغرب في المستقبل من جيل من العدميين التدميريين الانتحاريين بعد حرمانهم حتى من الاستمتاع بسنوات البراءة؟