النساء في قمة الرأسمالية!

TT

بمشاهدة جلسات الاستماع التي عقدت الأسبوع الحالي لتأكيد تعيين إلينا كاغان، من المغري إعلان - كما فعل البعض في الآونة الأخيرة - أننا دخلنا عصر المرأة. لا يعد أداء المرأة جيدا فقط في السياسة، بل أيضا في المدارس ومجال الاقتصاد الأوسع نطاقا. ومع ذلك، فإن هذا التفوق النسائي يغفل استثناء مهما: المجالات التي يكمن فيها المال والسلطة يسيطر عليها الرجال بصورة حصرية تقريبا.

فبالنظر إلى الصناعات التي تسيطر على القمم القائدة في الرأسمالية، ستجد أنها التكنولوجيا والمالية العامة. ونجد أن مؤسسات مثل «غوغل» و«أمازون» و«أبل» و«فيس بوك» جميعها تأسست على أيدي رجال، ويشغل الرجال منصب الرئيس التنفيذي فيها. كما أن جميع المصارف الكبرى في وول ستريت تخضع لإدارة رجال. وكذلك الحال في صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة. يوجه الكتاب الجديد الذي ألفه سيباستيان مالابي حول تاريخ صناديق التحوط الانتباه بصورة مباشرة إلى 14 زعيما رئيسيا، جميعهم من الذكور. وفي هذا الكتاب المؤلف من 400 صفحة، يجري الكاتب مقابلات مع اثنتين فقط من المسؤولات التنفيذيات في صناديق التحوط. ولم يتحدث الكاتب إلى مزيد من السيدات لأن عددهن قليل للغاية. ولا توجد أي سيدة على قائمة مديري صناديق التحوط الأعلى دخلا في عام 2009.

ويعد غياب المرأة عن القمة الاقتصادية ذا مغزى خاص، لأن الأفراد الموجودين في أعلى قمة توزيع الدخل حصلوا على نصيب الأسد من المكافآت على مدار العقدين الماضيين. وبالنسبة إلى النجاح الذي حققوه في مكان آخر، فهذه هي بالضبط القمة الاقتصادية التي أخفقت المرأة في قياسها.

والتفسير الأكثر خطورة لنقص عدد السيدات في الطبقة الثرية والنافذة - وتعد بالطبع أوبرا في الفئة الخاصة بها - من المحتمل أن يكون هو التفسير الذي جعله الكاتب لاري سومرز سيئ السمعة: إنه وجهة النظر التي تقول إن المرأة أقل تمثيلا في الأطراف الفكرية وتميل إلى الوسط الجيني. فقد يولد عدد صغير للغاية من النساء بإعاقات في التعلم، لكنْ أيضا هناك عدد أقل ممن هن من النابغات. ثم إن هناك فرضية التستوستيرون: تشير مجموعة متنامية من الأبحاث إلى أن الأفراد الذين لديهم مستويات منخفضة من التستوستيرون هم أكثر ابتعادا عن المخاطر، مما يجعل المرأة أقل احتمالا لأن تحصل على مقدار كبير في الاقتصاد العالمي عالي المخاطر وعالي المكافآت.

إلا أن هناك أسبابا تدعو للتشكك في هذه التفسيرات، منها أن نمط الأهلية العلمية التي تقيسها اختبارات الذكاء ليس بالضرورة شرطا مسبقا للنجاح في المجال المالي. على سبيل المثال، لم يبد المستثمر البارز جورج سوروس تفوقا خاصا في الرياضيات عندما كان طالبا. كما أن الأزمة المالية كشفت أن الإقدام الشديد على المخاطر ربما لا يكون مرتبطا بقوة بالنجاح التجاري على مدى طويل.

وقطعا هناك عوامل اجتماعية تسهم في هذا الأمر أيضا، فمع تصنيف أي وظيفة باعتبارها رفيعة المستوى، سرعان ما نصفها بأنها وظيفة للذكور فقط. على سبيل المثال، كم منا ترد في خاطره صورة أحد كبار حيتان وول ستريت مرتديا تنورة؟ عندما درست داخل الاتحاد السوفياتي خلال فترة كان لا يزال فيها على قيد الحياة، كان تقريبا جميع الأطباء والمديرين الماليين بالمصانع من النساء، ففي نظام كانت السلطة توجه خلاله إلى أصحاب الثقة من جانب الحزب الشيوعي، جرى النظر إلى الطب والمحاسبة كمهن دونية - أو بمعنى آخر أعمال تليق بالنساء. في المقابل، جرى النظر إلى هذه المهن باعتبارها ذكورية. في شمال أبرتا، حيث ترعرعت، كان غالبية المضاربين في البيع الآجل - وهو نشاط تجاري مهم في صياغة المجتمع - من النساء. ويرجع السبب وراء ذلك إلى أن المهن مرتفعة العائد فعلا (والتي هيمن عليها الذكور) كانت في مجال النفط.

وأرى أن دعاة حقوق المرأة يتحملون جزءا من اللوم عن هذا الأمر لتعمدهم الترويج لنمط خاص بهم من التمييز على أساس النوع، وذلك عبر الترويج لفكرة أن النساء أكثر قدرة على رعاية الآخر وأفضل من حيث التواصل. وقد أشار البعض إلى أن هذه المهارات تحتل مكانة متميزة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. بيد أن هذه النظرية لم تخدم كثيرا حاملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال التي تحاول إقناع وول ستريت بأن لديها القدرة على خوض مراهنات كبرى.

بصورة عامة، عرفت الحركة النسوية منذ أمد بعيد نفسها وسمحت لأن يجري تعريفها باعتبارها آيديولوجية يسارية لا تشعر بالارتياح تجاه الرأسمالية في أقسى صورها، مما يعني أن مجال المال والأعمال ليس من المجالات التي تهتم بخوضها. ومن الصعب تشجيع الفتيات على التحول إلى عناصر كبرى بمجال النشاط التجاري إذا كان جزء من الرسالة التي تطرحها عليهن يفيد بأن هذا النشاط ليس بالأمر الجيد. والآن، أصبح على النساء الاضطلاع بمهمة حشد رأس المال لأنفسهن.

* خدمة «واشنطن بوست»