زيارة يزهو بها البيت الأبيض

TT

هنالك أكثر من موجب لكي يتصرف الرئيس باراك أوباما بنزاهة مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، ذلك أنّه على الرغم من أن العلاقة بينهما حديثة العهد فإن خادم الحرمين الشريفين قرأ في كلام الرئيس أوباما منذ اللقاء الأول بينهما أن معدن الرجل على درجة من النقاء، وأنّه بالتالي لن يكون مراوغا كالرئيس السلف جورج بوش الابن. ومَن كانت هذه صفاته يصبح من مصلحته أن يكون عند حسن ظن الآخرين به، وخصوصا مع قائد حكيم، مثل الملك عبد الله بن عبد العزيز، يفضل الصراحة على المداهنة ويرى أن خير المبدئية على قلته أكثر ديمومة من عوائد التلاعب وتغيير الجلد وانتهاز الفرص.

في قمة العشرين الأولى كان تأثر الرئيس أوباما بالملك عبد الله بن عبد العزيز تلقائيا. وفي القمة الثانية شعر الرئيس أوباما بأهمية أن يصغي أكثر إلى هذا القائد الحكيم الذي عركه الزمن وواجه، بالحنكة والحكمة والصبر الجميل من دون أن يخذله العزم، قضايا محلية وإقليمية بعضها أشبه بالعواصف. لكنّه مع ذلك استمر مقتنعا بصوابية طروحاته ما دام من نسيج الرجال الذين يعملون لآخرتهم ويعنيهم كثيرا أن يكونوا عند حُسن تقييم التاريخ لما فعلوا أو أنجزوا.

وطوال سنوات التعارف القليلة التي اكتسبت صفة الصداقة المتميزة، لم يكن الرئيس أوباما بحاجة إلى أن يتقصى نوايا الملك عبد الله بن عبد العزيز لأن خادم الحرمين الشريفين كان في استمرار يقول للرئيس الأميركي، الذي شكّل ترؤسه لحظة تاريخية في الوجدان الأميركي، ما يجول في خاطره ويغلّف الملاحظة التي لا بد منها بالنصيحة والرأي الذي لا جدال في سداده للطرفين. وهنا قوة الموقف السعودي الذي كان في استمرار جامعا شاملا الأمتين العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه واعيا مصلحة الجانب الأميركي من زاوية الصديق وليس فقط الحليف صاحب الشأن في القرار الدولي.

ولقد بدا أن الرئيس أوباما، وبالذات بعد زيارته المتميزة للرياض العام الماضي، رأى أن تكون الزيارة الرسمية الأولى للملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة عبارة عن مناسبة لصياغة رؤية متجددة تستند إلى أفكار طالما تداولا في شأنها خلال اللقاءات القليلة عددا الكثيرة أهمية، وهي بمعظمها تخدم قضية السلام الذي يضع المعاندون الإسرائيليون وغيرهم العقبات في طريق تحقيقه.

وإذا جاز الافتراض فإن الملك عبد الله يرى في التعامل المستحدث من جانب الإدارة الأميركية مع إسرائيل ملامح موقف جديد من شأن تطويره أن يخدم قضية التسوية، ومن هنا فإن الإدارة الأميركية، التي سبق أن تعاطت بالكثير من الرخاوة مع مبادرة السلام العربية فجعلت بذلك الملك عبد الله يقول بصريح العبارة إن هذه المبادرة لن تبقى على الطاولة، أي بمعنى طيها ووضْعها في ملف الفرص الضائعة، تتمنى الآن على خادم الحرمين الشريفين أن يروي المبادرة التي تكاد تتيبس، بالمزيد من المساندة لأنها بالفعل الحل الذي يناسب الجميع، حيث إنّها تنقذ من يحتاج إلى إنقاذ سمعة وتبيّض وجوه أطراف اسودَّت وجوهها، ومعظم هؤلاء من صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي، وتضيء النور الأخضر أمام أطراف زادتها المحنة احمرارا، وتنبه الحالمين بالتمدد على سيادات وأوطان وقضايا غيرهم بأن الأفضل لهم الاهتمام بشؤونهم ووقْف التلاعب بقضايا الآخرين. ومن باب التفاؤل نرى أن ما هو آت سيكون أفضل مما سبق.

ويبقى أننا بهذه الروحية نقرأ طبيعة الزيارة الرسمية الأولى لعبد الله بن عبد العزيز كملك إلى أميركا القابلة للاختلاف للمرة الأولى. وبهذه الروحية نرى نوعية الحفاوة من جانب الرئيس أوباما بالملك الصديق. وبهذه الروحية نقرأ ما بين سطور الكلام الذي تبادله الزعيمان في منأى عن التكلف ومشقة البحث عن مفردات تراعي مراسم البروتوكول لمناسبة زيارة يلاحظ المراقب، مثل حالنا وهو يتأمل في الصور وفي الارتياح الذي يغمر الوجوه، كم أن البيت الأبيض يزهو كما لم يحدث من قبل بزيارة قائد ينطق حقا وحكمة.