الكلمة المكروهة.. قادمة!

TT

في ظل الاضطرابات المالية والأزمات الاقتصادية وأثر ذلك المتوقع والبديهي على مداخيل الدولة، يبدو بديهيا أن تتعرض أكثر من دولة في العالم العربي لخلل في موازناتها العامة، وبالتالي تتأثر قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المدرجة سلفا. وفي الدول «الرعوية» التي اعتادت دعم معظم الخدمات العامة فيها، باتت كلمة العجز جزءا يعود ويغيب عن وصف موازناتها المالية، وهذا يفسر التأخر في بعض المشاريع الكبرى أو رداءة مستويات تنفيذها، وهذا يعني أنه عاجلا أو آجلا لا بد من التعامل مع الكلمة التي يتراقص حولها الجميع خشية وبعدا وإنكارا، والكلمة المعنية هنا هي: الضرائب. الضرائب يجب أن تأتي لتكون جزءا من الهيكلة المالية الجديدة حتى يُكتَب للتنظيم المالي عمر جديد وفكر مغاير يتناسب مع احتياجات الدول المتنامية سكانيا وما يتبع ذلك من التزامات وخطط وموارد.

اليوم هناك حديث في الإمارات عن ضريبة للمبيعات وكذلك الأمر في البحرين وعمان، والكويت يتباحث فيها مجلس الأمة عن وضع ضريبة مناسبة لاحتياج البلاد. للابتعاد عن الحرج السياسي الذي يأتي مع كلمة ضرائب، تم استبدال ذلك بكلمات مثل «رسوم» و«مصاريف» و«تكاليف»، وهي في واقع الأمر جميعها أغطية ملائمة ولكن مؤقتة وغير مهيكلة - نظاما وممارسة - لتكون بديلة للضرائب. الضرائب كلمة اكتسبت مع مرور الوقت نظرة وسمعة سلبية وعدائية واعتبرت تعديا على المال الخاص لصالح المجهول، ولكنها في حقيقة الأمر هي «فرصة» لتحسين العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن وتأكيد الالتزام والحقوق والواجبات بين الطرفين.

فدافع الضريبة سيكون ملزما بالقيام بهذا الواجب بشكل مستمر وسليم ومتكامل بما تشمله تلك المسألة من توثيق وتدقيق ومكاشفة وشفافية، وبالتالي تعرضه للعقوبة في حالة أي مخالفة أو زيف أو قصور. وجابي الضريبة سيكون مطالبا بالتالي هو أيضا بالالتزام التام بالوفاء بالالتزامات التنموية كاملة من دون قصور وكشف أي خلل في ذلك، إذا ما تم بوضوح وشفافية، ومعاقبة المسؤول عن ذلك القصور بشكل عادل وبلا مجاملة، وأن يكون نظام الجباية شاملا على الكل دون استثناء.

منافع تحقيق هذا النوع من الإنجاز فيه عناصر كثيرة من المكاسب التي تتخطى تماما العنصر المالي وحده، ولكنها تصب في تطوير جدارة وفعالية ومتانة الأداء الإداري للقطاعات التنفيذية في القطاعات الحكومية المختلفة، وتحسين فعالية المراقبة وبالتالي منظومة الثواب والعقاب، وتقليص مساحة التشاؤم والقنوط في الذهنية والنفسية الموجودة - وبكثرة - في صدور المواطنين بمختلف خلفياتهم الاقتصادية، سواء أكانوا أصحاب الدخول الدنيا أم المتوسطة أم العليا.

المطالبة بوضع هيكلية ضريبية جديدة ستجد - بطبيعة الحال - الكثير من الأصوات المعترضة والمستهجنة، وكل له حجته وأسبابه؛ فمنهم من سيعترض لأسباب دينية وشرعية، وآخرون سيعترضون لأسباب إدارية وقانونية ونظامية، وغيرهم سيعترضون لانعدام الثقة والخوف في تنفيذ كل هذه «النظريات»، ولكن هذا لا يمنع من الإقدام على التجربة والتعلم والاستفادة من أخطائها، فهذا قدر الأمم وهذا خط تنميتها التصاعدي. ولقد ساهمت الضرائب، حينما تم تنفيذها بدقة وأمانة، في تطوير الأمم وتحسين المستويات المعيشية فيها في المجالات كافة بلا استثناء.

دول الخليج العربي يبدو أنها على موعد قريب مع الضرائب، وليس في ذلك عيب ولا خطأ ولا انتقاص من مكانتها طالما تم القيام بها بشكل حرفي ودقيق وأمين.

[email protected]