أنقرة - تل أبيب: نفخة الروح.. الأوبامية

TT

سيناريو أن يكون اللقاء الذي جرى في بروكسل بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ووزير الصناعة الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر جاء نتيجة طبخة تركية أميركية أعدها الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الوزراء التركي أردوغان خلال قمة الدول العشرين في كندا هو أقرب إلى الواقع من سيناريو أن تكون أنقرة هي التي طلبت عقد هذا اللقاء بعد الاختراقات الأمنية التي شهدتها أكثر من مدينة تركية مؤخرا ونفذها حزب العمال الكردستاني باسمه لكنها أتت نيابة عن إسرائيل أيضا التي أعلنتها حربا مفتوحة مع حكومة العدالة التي سجلت أكثر من هدف سياسي ودبلوماسي في المرمى الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة.

من المبكر جدا إطلاق الأحكام النهائية على استعداد أنقرة لنسيان ما جرى في عرض البحر وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع حكومة نتنياهو بهذه السهولة على ضوء لقاء من هذا النوع، لكنه رغم سريته التي تحولت إلى علنية بين ليلة وضحاها يحمل معه الكثير من التوقعات والتخمينات في صفوف الشريك الثلاثي التركي الإسرائيلي والأميركي:

> هناك أولا وعلى ما يبدو نصيحة أميركية قدمها أوباما مؤخرا لأردوغان بإعطاء الإسرائيليين فرصة جديدة للتعامل مع المطالب التركية وتحديدا بعد الوثائق والأدلة التي وضعها رئيس الوزراء التركي بين يدي الرئيس الأميركي وتوثق حجم الأضرار المادية والمعنوية التي تسببت بها حكومة نتنياهو سواء لناحية علاقاتها الثنائية مع أنقرة أو لناحية التصعيد السياسي والأمني الذي أضر بأكثر من محاولة تهدئة ووساطة تركية بين الإسرائيليين وقيادات عربية وإسلامية.

> هناك ثانيا رغبة أميركية واضحة في حماية علاقاتها ومصالحها مع كل من إسرائيل وتركيا كشريكين إقليميين، وتمسك من قبل البيت الأبيض بعودة الروح والحماس إلى الدبلوماسية التركية في التعامل مع مشكلات إسرائيل ومحيطها العربي والإسلامي.

> لقاء أردوغان - أوباما الأخير قد يكون نقطة الانطلاق لسياسة مشتركة بين الجانبين، يدعمها بعض القوى السياسية والعسكرية النافذة في إسرائيل واللوبي اليهودي العالمي، لتفكيك الائتلاف الحكومي القائم قي إسرائيل واستبدال حكومة ائتلافية جديدة به قد تظهر إلى العلن من خلال انتخابات نيابية مبكرة أو من خلال تحالف بديل يضم «الليكود» و«كديما» وحزب العمل اليساري، وهو المطلب غير المعلن الذي تصر عليه حكومة أردوغان.

> لقاء داود أوغلو مع بن اليعازر الذي أغضب وزير الخارجية ليبرمان الذي علم به من وسائل الإعلام بعد انعقاده ينبغي أن يصحبه على الفور تقديم الأخير استقالته من منصبه وإنهاء هذا الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وهذه كانت برأينا مادة اللقاء الوحيدة التي نوقشت في بروكسل. القيادات الإسرائيلية تعرف تماما ما تريده أنقرة وتصر عليه، وتعرف أيضا أن أردوغان لن يغامر على هذا النحو لتعريض سلة البيض التي استأمنه عليها ملايين المواطنين في العالمين العربي والإسلامي للخطر بهذه السهولة. هفوة من هذا النوع، عبر الاجتماع إلى الإسرائيليين ومنحهم المزيد من الوقت والشجاعة للمضي في ما يقومون به وهو في ذروة النزاع معهم تلطيفا لإدارة البيت الأبيض أو خوفا من إسقاط حكومته من الداخل من خلال افتعال أزمات أمنية وسياسية يردد هو بنفسه يوميا أنها تنفذ نيابة عن إسرائيل رغم أنها لا تحمل توقيعها المباشر، ستتحول إلى فرصة لا تسمن بيد المعارضة السياسية الداخلية التي تتربص منذ سنوات لاسترداد السلطة من حكومة إسلامية قلبت المعادلات رأسا على عقب.

> المبالغة في التفاؤل تحمل الكثير من المخاطر، وقد تردنا خائبين، لكن تقدم سيناريوهات أخرى تتعارض مع السيناريو الذي نرسمه هنا سيعني مساعدة حكومة نتنياهو على الخروج من المأزق، في حين أن أوباما وأردوغان يريدان قبل كل شيء منح إسرائيل والإسرائيليين الفرصة الجديدة للدخول على الخط وإنقاذ أنفسهم من الحفرة التي وضعتهم فيها هذه الحكومة. الأنباء الواردة حول أزمة عمل لجنة الاستقصاء الإسرائيلية المكلفة بدراسة ملف العدوان على أسطول الحرية، وتصريحات ليبرمان التشاؤمية حول فشل وساطات السلام في المنطقة، وتقارير الطب الشرعي التركي التي كشفت عن حجم الوحشية والعنف الممارس ضد المدنيين على متن أسطول الحرية، وربما حتى المواقف التي أعلنها قبل أيام العاهل السعودي وعكست مرة أخرى ما يريده ويقوله العرب، تلتقي كلها عند تقاطع واحد.. لا مجال للاستمرار مع حكومة إسرائيلية من هذا النوع وبهذه الذهنية.

ما ينتظر أردوغان في الأيام المقبلة هو إما القبول بالمثل العربي القائل «الحزن أو الغضب يبدأ كبيرا ثم يصغر»، أو ألا يتخلى عن المثل التركي القائل «انتظر وتفرج» خصوصا أنه ردد أكثر من مرة أن ما تطالب به أنقرة يتجاوز طاقات وقدرات حكومة نتنياهو الحالية.