رفقا بالحمار

TT

نصف السمك في العراق فنقول: «مأكول ومذموم». نحب طعمه فنأكله ونكره رائحته فنذمه. يذكرني ذلك بالحمار؛ فهو مركوب ومضروب. نركبه بسبب كسلنا ونضربه ليسرع بنا. ولكنه أيضا مركوب ومشتوم. فنحن نصف أي امرئ غبي بأنه حمار. ننسى فضله علينا. ولكن للحمير عند الغربيين مكانة خاصة.

هناك في بريطانيا جمعية كبيرة باسم جمعية الرفق بالحمير. أقامت عدة مستشفيات وملاجئ للحمير في الشرق الأوسط، في مصر والأردن والسودان، على ما أتذكر. تبرعت لها بترجمة بعض منشوراتها.

الحمار في الحقيقة حيوان ديمقراطي لأنه مركب للبسطاء والفقراء - في حين أن الحصان حيوان أرستقراطي - وهو أيضا حيوان مسالم يؤمن باللاعنف. فلم أسمع عن فارس يخوض الحرب على ظهر حمار. وهذا من أسرار حب الأوروبيين له. لقد تذكروا أن السيد المسيح عليه السلام عندما ذهب إلى القدس كان راكبا حمارا. وفي ذلك رمزية عن التواضع والفقر والسلامية. كثيرا ما لاحظت الإنجليز يهرعون إلى أي حمار يصادفونه فيمسحون على رقبته ويغازلونه ويشاركونه في ما بأيديهم من طعام، آيس كريم أو شوكولاته أو كعك ونحو ذلك.

ولكن الحمير عندنا مذمومة كما قلت. يصفون أي موظف أو طبيب فاشل بأنه حمار. وهي مسبة لكل عشيرة الحمير. حصلت للشاعر خاشع الراوي معاملة مع أحد المسؤولين في أيام كانت الحمير نادرة في العراق، وليس كهذه الأيام التي امتلأت بها شوارع البلاد. خرج الشاعر ولم يستقر به الحال حتى نظم قصيدة عصماء في مدح السيد الوزير:

إن الحمار بن حنتم

هو عزيز مكرم

له المعارف تبنى

له العليف يقدم

يهز رأسا وذيلا

عليك إن هو سلّم

نالت القصيدة استحسانا واسعا بين أوساط الشعراء. كان منهم السيد عبد الرزاق الهلالي. كتب قصيدة يجاريه بها، ولكنه لم ينشرها لسنوات كثيرة خوفا من معشر الحمير. قال فيها:

يا شاعرا بات مغرم

بوصف جحش بن حنتم

وصفته بصفات

يجل عنها ويكرم

فهو الحمار المزكى

وهو عزيز مكرم

وهو الذي نال حظا

منه الأصايل تحرم

كم من حمار غبي

بذي الحياة تقدم

ما احتاج يوما لعقل

به المشاكل يفهم