تحصيل حقوق

TT

ذهبت أهنئ باحثا علميا على التقدير الذي وصله مؤخرا في قالب جائزة من مليون دولار. تأخرت في ذلك ستة أشهر، بعذر شرعي، هو السفر. وبادرني ضاحكا مقهقها أنه قبل أن تصرف له الجائزة اكتشف أن له شركاء فيها، أكثر حقا بها. حدثنا قال: تحول المنزل بعد إذاعة النبأ إلى ما يشبه يوم الحشر. أناس لم أرهم منذ طفولتي وأناس لا أعرفهم إلا بالتحية وأناس أعرف أنهم لا يحبونني وأناس يعرفون أنني أعرف أنهم لا يحبونني، وجيراني في الحي وفي الحارة وفي المنطقة. ومعهم طبعا جيرانهم.

شدد البعض على أن الدولة رديئة وإلا لكنت وزيرا للعلوم. وطلب البعض أن أعد نفسي للرئاسة في المرة المقبلة. الفريق الذي أرادني وزيرا، أراد أيضا أن أتبرع للبلدية. والذين أرادوني رئيسا عرضوا خدماتهم في إيصالي إلى المركز، «بشوية مصاريف». وهمس لي أحدهم وهو خارج أنه مكسور عليه أقساط أولاده آخر العام. وجاءني قريب على عكاز. وشكل أهل القرية وفدا يطلب شبكة مياه حديثة «لأن عالما مثلك لا يرضى بأن يشرب أهله مياها ملوثة. وفي لحظة أحصيت أهلي فوجدتهم ألفا، عدا الأولاد والأحفاد والأصهار.

وجاء أحدهم ضحكته ملء شدقيه ورمى على الطاولة أمامي كدسة خرائط وقال: «من كان مثلك لا يمكن أن يرضى بمليون. أعطني المبلغ وسوف أجعله لك عشرة ملايين في عامين». وتطلع إليّ كأنه ينتظر أن أعطيه الشيك فورا. وجاءني وفد من السيدات، ومع كل واحدة حقيبة تتسع لمليون دولار من فئة الخمسة دولارات. وقالت إحداهن باسم المجموعة: «لائق لك العلم وقليلة إليك الجوائز. مدرسة أولادنا في حاجة إلى مختبر، جمعنا كلفته ولم يبق سوى 200 ألف دولار. وسوف يحمل المختبر اسمك».

ثم دخل البيت رجل هالك الثياب، السيجارة ترتج بين يديه، وتلفت يمينا ويسارا، كأنه ملاحق. ووقف ينتظر أن يفرغ مقعد على مقربة مني، وهو لا يزال يتلفت ويمسك سيجارته بقبضتي يديه. وفي النهاية جلس. ثم راح يتأمل في الحضور، وجها وجها. وتأمل بعض الوجوه أكثر من مرة للتدقيق. وأخيرا انحنى يهمس: «محسوبك الريس أبو أنيس. شقيق زوج خالتك سلوى. 30 سنة بالحبس بتهمة قتل ثلاثة. والله العظيم الحق عليهم. والله يخلي الأساتذة أمثالك. بدنا كم ألف دولار مساعدة لإعادة التأهيل».

بقي للعالم الكريم من الجائزة صورتها المعلقة على الجدار. الشركاء والأقرباء توزعوا الكاش.