التخلف أولا وأخيرا

TT

التخلف اولاً، والتخلف ثانياً، والتخلف ثالثاً.. والى النهاية، هو ما جعل البعض، من العامة، في فلسطين ولبنان والاردن والكويت وبلدان اخرى، يرقص ويهلّل ويوزّع الحلوى فرحاً بالعمل الارهابي الذي قتل فيه مئات الاشخاص في الولايات المتحدة الاسبوع الماضي.

والتخلف ايضاً، ومعه المرض النفسي، هما ما يفسران اقدام البعض من اهل النخبة (عرباً ومسلمين) على تبرير هذا التصرف المتخلف الذي لا يعبر عن طبيعة الانسان المتحضر الميّالة الى السلم والمحبة والعدل والمناهضة للعدوان والبغضاء والظلم.

والا كيف نفسّر ان يبتهج الناس، فرادى او جماعات، بموت اقران لهم بشكل جماعي وعلى نحو مروع مثلما حدث في نيويورك وواشنطن؟ وبماذا نعلل سعادة هؤلاء الناس بان يُقتل بشر مثلهم؟ اطفالاً ونساء وشيوخا ورجالا، من دون اي ذنب ارتكبوه مباشرة او مداورة؟

ان اعظم القضايا واقدسها لا تبرر موت شخص واحد بريء، ولا تسوّغ حتى قتل شخص واحد متهم من دون محاكمة عادلة يتوفر له فيها كامل حقه في الدفاع عن نفسه وفي معرفة لماذا يحاكم ولماذا سيقتل.

كل الكلام عن الحقوق والحريات وحقوق الانسان والمبادئ والقيم والمثل يكون لا معنى له، بل يصبح له معنى مناقض للمعنى الحقيقي، اذا ما اوجدت الذريعة لقتل الانسان المفرد، ناهيك من الجماعات، من دون محاكمة. ويتساوى في هذا الانسان الفلسطيني والاسرائيلي والاميركي والعراقي والافغاني... المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والهندوسي...

من حقنا ان نكره الامبريالية والاستعمار والصهيونية والرجعية والعنصرية والفاشية والنازية باقصى ما نستطيع، لكن ليس من حق احد، كائنا من كان، ان يكره وان يحكم بالموت على الاميركي او البريطاني او الفرنسي لأن حكومته امبريالية ـ استعمارية، وعلى اليهودي او الاسرائيلي لأن حكومته صهيونية وتضطهد الشعب الفلسطيني وتسلب حقوقه وتقتل ابناءه على مدار الساعة.. ليس من حق احد ان يكره الشعب الالماني لان هتلر كان نازيا او الشعب الايطالي لان موسوليني كان فاشيا.

التخلف اولاً واخيراً هو الذي جعل بعضنا ينطلق الى الشوارع ليرقص ويهلّل ـ بدل ان يتملكه الشعور بالصدمة والذهول والالم والاستنكار ـ فيما شاشات التلفزيون تعرض تكرارا مشاهد العمل الهمجي الذي قام به نفر من المرضى بدفع من نفر من المعلولين ولا يمكن ان يتفق مع مبادئ وتعاليم اي دين او عقيدة او فكرة انسانية.

لم يكن موفقاً المسؤول الفلسطيني الذي نفى ان يكون فلسطينيون قد تصرفوا على هذا النحو المعيب، فالصحيح ان فلسطينيين وغير فلسطينيين ارتكبوا مثل هذا النهج المتهوّر المتخلف الذي سيلحق ضررا كبيرا ـ مثل كثير من تصرفات اخرى لنا غير مسؤولة ـ بقضية فلسطين وسائر قضايا العرب والمسلمين العادلة.

الصحيح والمفيد ان نقرّ بان بعضنا يسلك مسلكا غير قويم، فلكي نتجاوز تخلفنا يتعين ان نعترف اولا بوجوده، ولكي نقلل من مقدار اخطائنا ونحدّ من حجمها ومن آثارها وتبعاتها لابدّ قبل كل شيء ان نقرّ باننا نخطئ مثل كل البشر، ويخطئ بعضنا كثيرا حينما يعتقد ان تحرير فلسطين او القضاء على الامبريالية والصهيونية انما يتحقق بالاعمال الارهابية والهمجية.

[email protected]