كي لا تتحول الحرب ضد الإرهاب إلى حرب ضد العرب والمسلمين

TT

كما لم يتحسب الذين اقدموا على هذه العملية الارهابية في نيويورك وواشنطن، لكل ما يمكن ان يلحقوه بالمبادئ والحقوق والقضايا التي يدافعون عنها من اذى وضرر، نخشى، بعد استعراض ردود الفعل العفوية او الاولى على العملية، واقتراحات الرد عليها «لانهاء الارهاب في العالم»، من ان تقع الادارة الاميركية، في الخطأ ذاته: اي ان تقدم على الرد على العنف بعنف اكبر، فيتحول «الانتقام» الى «حرب بأي ثمن»، لا ضد الارهاب والارهابيين في العالم، بل الى مجابهة شاملة بين الولايات المتحدة الاميركية والشعوب العربية والاسلامية، او «بين الحضارتين الغربية والاسلامية»، كما يبشر بعض المفكرين الغربيين، وكما يتمنى اعداء العرب والمسلمين الحقيقيين، ولا داعي لتسميتهم. من المفروغ منه، ان الحكومة الاميركية لا تستطيع، ازاء الشعب، ازاء الشعب الاميركي، السكوت عما حدث. وانها، وبعد ان فوضها الكونغرس الاميركي، تعمل، ليل نهار، لاعداد خطة الرد. ولا يحتاج المحللون السياسيون الى حضور هذه الاجتماعات او الاطلاع على كل الاتصالات التي تجريها واشنطن، لتبصر الخطوط او الاتجاهات الكبرى لهذه الخطة، لا سيما بعد ان عرفت اسماء مرتكبي العملية والجماعات التي ينتمون اليها واماكن انطلاقاتها، وهي في نظر الاميركيين وقناعاتهم: الجماعات السياسية الدينية الاسلامية المتطرفة المنتشرة في البلاد العربية والاسلامية، وفي الغرب ايضا، ومحورها اسامة بن لادن، وافغانستان (وربما اضيفت اسماء دول وتنظيمات عربية واسلامية اخرى).

ونظرا لحجم اضرار العملية واستهدافها قلب الولايات المتحدة ورموز هيمنتها العالمية، فان الرد لن يقتصر على اطلاق عدد من الصواريخ على افغانستان ومقر بن لادن فيها، بل ان كل المؤشرات تدل على ان الحكومة الاميركية مصممة، او مقتنعة، بالقيام بحملة عسكرية جوية وبرية على ان افغانستان، وهي تعمل الان على الحصول على موافقة او تعاون الدول المحيطة بها، وبعض الدول العربية والاسلامية. اذ ليس من السهل ارسال جيش اميركي الى تلك البلاد بدون التعاون مع جيرانها، وفي طليعتهم روسيا. وكل ذلك يتطلب اسابيع عديدة ان لم يكن اشهرا. وليس من المؤكد ان تمنح كل هذه الدول، او بعضها، للحكومة الاميركية الحرية الكاملة والصلاحيات المطلقة لشن هذه الحرب، كما فعل الكونغرس الاميركي، حتى وان كانت انظمة معظم هذه الدول وحكوماتها في حالة نزاع ـ او حرب ـ مع الجماعات والحركات الدينية الاسلامية المتطرفة، ذلك ان هناك شعوب هذه الدول. التي وان لم تكن مؤيدة للحركات السياسية المتطرفة، او للارهاب كسلاح سياسي، قد لا تنظر بارتياح الى تحالف حكوماتها مع الولايات المتحدة لاحتلال او ضرب بلد اسلامي او عربي.

ومن المرجح، ايضا، وفي انتظار اكتمال استعدادات العملية الحربية الكبيرة، ان تطلب الولايات المتحدة من كل الدول العربية والاسلامية، بل والاوروبية، تعاونها بل انضمامها الى الخطط السياسية والامنية الرامية الى القضاء على الحركات والجماعات السياسية المتطرفة، والمعتمدة الارهاب سلاحا، اسلامية كانت ام غير اسلامية، وتهديدها، ربما، بعقوبات اقتصادية وغير اقتصادية، ان هي رفضت او تلكأت. واستجابة الانظمة الحاكمة في الدول العربية والاسلامية للطلب، او الانذار الاميركي، ليس بسهل عليها، لا سيما انها تعرضت ولا تزال الى مجابهات عنيفة مع هذه الجماعات. ان التعاون الدولي بل والعربي ـ الغربي، ضد الارهاب قائم منذ سنوات، ولكن المطلوب، بعد اليوم، من قبل واشنطن، هو ضرب الارهاب في جذوره، والقضاء او شل الجماعات والتنظيمات القائمة به. اي تحول الاجهزة الامنية في الدول العربية والاسلامية الى فروع تشرف عليها المخابرات الاميركية، باسم مقاومة الارهاب. وكلفة ذلك غالية جدا، ماليا وسياسيا وقانونيا بل ووطنيا. وقد تصطدم، عند التنفيذ وواقعيا، بمبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان، التي تدافع عنها الولايات المتحدة.

غير ان المنزلق الأخطر في عملية الرد الأميركي على «ارهاب الجماعات السياسية الاسلامية المتطرفة»، ومحركها او رمزها، اسامة بن لادن، هو الذي تحاول اسرائيل ومؤيدوها في الغرب، جر الولايات المتحدة الى تبنيه، ونعني اعتبار النضال الفلسطيني والمقاومة العربية للاحتلال والاغتصاب الاسرائيلي جزءا من الارهاب الدولي او الاسلامي، وبالتالي اطلاق يد اسرائيل في القضاء لا على المقاومة والانتفاضة فحسب بل «اكمال حرب 1948»، كما قال شارون، اي احتلال الضفة الغربية وغزة مجددا وطرد الفلسطينيين منها وربما من كافة الاراضي الفلسطينية التي اصبحت اسرائيلية. ان اكثر من تصريح (لشارون ولنتنياهو وغيرهما)، في الايام الاخيرة، اكد اتجاه اسرائيل نحو استغلال هذه «الفرصة» لضرب المطالب والانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، التي كانت قد اكسبت القضية الفلسطينية عطفا دوليا كبيرا، ولتصفية كل القوى التي تدعمها، باسم مقاومة الارهاب الاسلامي والدولي.

اما ما حدث في نيويورك وواشنطن «غير وجه العالم»، كما كتبت «الايكونومست» في افتتاحية عددها الاخير. كما ان السياسة الخارجية والدفاعية الاميركية مرشحة لتغيير كبير وخطير، لا باتجاه الانعزالية والابتعاد عن النزاعات خارج حدودها بل العكس، اي باتجاه مقاومة وضرب «العدو الاول» في نظرها اليوم، وهو «الارهاب الاسلامي» كما تسميه.

كثيرة هي الاصوات التي ارتفعت في الغرب والعالم، وحتى في الولايات المتحدة، محذرة الحكومة الاميركية من اعتماد القوة والقتال والضغط على الدول، للرد على الارهاب الذي تعرضت له، والتي «تحذر من حرب بين الحضارات، او من ان تتحول الولايات المتحدة في نظر الجماهير العربية التى شارون آخر» (مقال كبير للكاتب الفرنسي جان دورموسون في جريدة «لو فيغارو» الفرنسية). ومن حق بل واجب الحكومات والشعوب العربية والاسلامية ان تساعد او تساهم في الحؤول دون تحول الخطط الاميركية للرد على الارهاب الذي تعرضت له، او لحماية نفسها من عدوان ارهابي جديد، الى مجابهة عربية ـ اسلامية مع الولايات المتحدة والغرب. وهذا ما تعمل اسرائيل والصهيونية العالمية له، بسرعة وانتهازية ذكية، منذ وقوع الحادث، بل منذ سنوات.

وكل هذا يستحق بل يوجب عقد قمة عربية بل واسلامية مستعجلة، من اجل اتخاذ موقف عربي واسلامي موحد واضح، يساعد على تعطيل الاستغلال الاسرائيلي، لهذا الخطأ الضخم، الذي ارتكبته جماعات سياسية متطرفة هي اليوم عربية اسلامية (اذا ثبت ذلك نهائيا)، وكانت، بالامس يابانية او اسرائيلية، وقد تكون غدا اميركية او اوروبية.

لقد دخل العالم اليوم، في مرحلة دولية ـ سياسية جديدة، يسميها البعض: نزاعا بين الخير والشر، وآخرون: معركة بين الحق والظلم، وثالثون: حربا بين المسلمين والغرب، ورابعون: حربا بين الحضارات. وقد تكون المشكلة، في النتيجة، اقل خطورة مما يصور. ترى لو حلت القضية الفلسطينية على النحو الذي اقرته الامم المتحدة، وانسحبت اسرائيل من الاراضي العربية ونفذت مقررات الامم المتحدة، وساد السلام الشرق الاوسط، ترى.. هل كانت عملية نيويورك واردة، في مخيلة الجماعات العربية والاسلامية المتطرفة؟ ترى، هل كان شعور النقمة والعداء للولايات المتحدة، موجودا في قلوب او نفوس الجماهير العربية والاسلامية؟

انه سؤال يسأل، بل انه السؤال الاول الذي يجب طرحه، قبل ارسال القوات الاميركية، لتحارب (من؟) في افغانستان؟