في هدوء تروي مناظر الخوف!

TT

قرأت يوميات رائدة الفضاء الفرنسية كلودي هينير. هذه المذكرات لا علاقة لها إطلاقا بابتسامتها الكوكتيل من الفرحة والإصرار والقلق والخوف والتحدي.. إن يومياتها مرهقة للأعصاب، رغم أنها تحكيها بمنتهى الهدوء. فهي تخرج من تجربة لتدخل في تجربة أخرى.. مائة تجربة. ساعات متصلة من الضبط والربط بين الأجهزة والخرائط والمعادلات الرياضية.. ومئات الزراير..

تقول كلودي: الكتب غير التجربة.. والتجربة على الأرض غير التجربة في الجو.. بعيدا عن الأرض ذهابا واستقرارا ودورانا وهبوطا.. وأصعب من الهبوط الاستعداد لذلك.. وأصعب من الهبوط الإلكتروني، الهبوط اليدوي عندما تتعطل الأجهزة لأي سبب.. وأصعب من الهبوط ومن كل ذلك أن تكون هي قائد الرحلة والمسؤولة وحدها عن النجاح والفشل..

لقد كان الاستعداد لرحلتها في الفضاء أن تنطلق من روسيا. وقد استعدت لهذه الرحلة بتدريبات في فرنسا وفي ألمانيا وفي هولندا ثم في أميركا.. وهناك نظريات وتقاليد مختلفة. ولكن الأسس العلمية واحدة..

ثم يجيء الأطباء كل شهرين لتحليل ومراجعة كل شيء في وظائف الجسم الإنساني والعقل.. ويقتضي الأمر تغيير الطعام والشراب وساعات النوم.. وفي نفس الوقت يجب أن تكون في حالة نفسية جيدة..

وفي اليوم السابق على الانطلاق إلى الفضاء يجلس الرواد معا لمشاهدة فيلم رومانسي هادئ حالم.. لا علاقة له إطلاقا بسفن الفضاء والفضاء.. ويتعلمون التركيز. لدرجة أن رائد الفضاء يمكن أن يستغرقه الفيلم حتى لا يدري بشيء آخر.. وفي سفن الفضاء يجب أن يستغرقه العمل حتى ينبهونه بأن يتناول طعامه أو شرابه أو يأوي إلى الفراش..

أما قبل إطلاق السفينة، فكل الرواد يحشرون أنفسهم في مقاعدهم.. ويتدربون على خلع ملابسهم وارتدائها في حيز ضيق دون مساس بالأجهزة الدقيقة في كل مكان.. وهم عادة يدخلون السفينة التي استقرت فوق صاروخ مليء بالوقود وأن يظلوا في مقاعدهم قبل الانطلاق بساعتين ليستمعوا إلى موسيقى هادئة.. ثم الانفجار العظيم عندما تصدر الأوامر من المتابعة الأرضية بالانطلاق.. أي بارتفاع الصاروخ، وفوقه سفينة الفضاء، إلى أعلى فرارا من الجاذبية الأرضية.. ثم الدوران حول الأرض..

إنها براعة عظيمة أن تروي رائدة الفضاء بهدوء، مع أن الذي تتحدث عنه يجعل شعر الرأس يقف ويقع من شدة الخوف!