رحيل

TT

بوفاة المرجع الشيعي البارز محمد حسين فضل الله يفقد لبنان والعالم العربي أحد أبرز رموزه ووجها من وجوه الخطاب الشيعي المعتدل في المنطقة. وهو ثاني رمز من رموز الخطاب الشيعي المعتدل الذي يرحل بعد وفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين اللبناني الذي مات منذ سنوات.

بدأ نجم محمد حسين فضل الله في السطوع حين أعلن تأييده للثورة الخمينية بإيران وتحوله للمرشد الروحي لحزب الله في بداياته، وبعدها ابتعد عنه تدريجيا وأبدى اعتراضه المعلن على ولاية الفقيه، مع توجه حزب الله بالكامل نحو إيران سياسة ومرجعية، وتفرد بآراء ومواقف «مستقلة» عن توجه حزب الله وعن المراجع الشيعية الكبرى، مثل السيستاني وخامنئي ومنتظري وغيرهم. ولعل أبرز مواقفه الفقهية هو إعادة صلاة الجمعة في لبنان بشكل مفاجئ بعد أن كانت محظورة لرأي فقهي في المذهب الشيعي. وكذلك كانت لديه آراء «اجتماعية» مهمة؛ منها تحريمه عدم تصليح عوادم السيارات نظرا لما تسببه من تلوث بيئي مضر بالصحة. وكذلك وقف موقفا حادا داخل طائفته في مسائل مختلفة؛ أبرزها تحريمه المشدد لمسألة ضرب الأجساد وإسالة الدماء من الرؤوس في مواكب عاشوراء، وكذلك نفيه القاطع لواقعة ضرب سيدنا عمر بن الخطاب للسيدة فاطمة رضوان الله عليهما، ومنعه التعرض بسوء لصحابة سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم، ولأزواجه بالنقد والسب واللعن.

وانفتح الراحل لمقابلة كثيرين من علماء السنة بمشاربهم المختلفة من لبنان ومصر ومن الأردن ومن سورية وحتى من السعودية، كما يتذكر كثيرون اللقاء الذي جمعه بعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المنيع في منزله ببيروت. وحاول محمد حسين فضل الله اختيار خط مستقل بعيدا عن النجف وقم، وحاول تكوين مرجعية جديدة ومختلفة، فكان له مقلدون في لبنان والعراق والخليج العربي وأفريقيا وآسيا الوسطى بشكل رئيسي. وتعرض لضغوطات ومحاربة من إيران ومراجع قم المحسوبين على النظام الجمهوري لإيران، وحاولوا التشكيك في آرائه وجدارته الفقهية وقوة وعمق حوزته العلمية وثقلها التقليدي.

اهتم فضل الله بالعمل الخيري، وكانت لجمعياته الخيرية أنشطة واسعة في المجتمع اللبناني بشكل رئيسي، وابتعد بشكل مباشر عن العراك السياسي بلبنان، واعتبر مع علي الأمين صوتين عاقلين في المرجعية الشيعية العربية التي لم تستول عليها إيران وأجهزتها. وظل لآخر لحظة أهم صوت شيعي عربي في المنطقة.

وللشيخ فضل الله إصدارات كثيرة في محافل شتى، تناولت الوفاق الاجتماعي والسلم العام، وركز في حواراته مع الطوائف على جانبين؛ الخطاب الإيماني والخطاب البشري، اعتقادا منه أن هاتين المسألتين من الممكن أن يجتمع عليهما كل الفرقاء ويرتفعوا عن صغائر المسائل في خلافاتهم.

وتعرض الراحل في بدايات ظهوره السياسي وبروز صوته المذهبي لمحاولات اغتيال إبان موجة العنف التي اجتاحت لبنان، وابتعد في أواخر أيامه عن الظهور الإعلامي والوجود العام، وتدهورت في الفترة الأخيرة صحته بشكل ملحوظ وكانت إشاعة الموت دائما ما تحيط به في الأيام الأخيرة حتى لقي ربه. محمد حسين فضل الله سيترك فراغا هائلا على الساحة اللبنانية التي هي دوما بحاجة للحكمة والعقلاء.

[email protected]