استقلال بلا حرية

TT

خمسون عاما على استقلال الكونغو عن الطغيان البلجيكي، أحد أسوأ أشكال الاستعمار. بدأت الحرية مع باتريس لومومبا، ساعي بريد سابق ومدير محاسبة في مطعم وصاحب شخصية ساحرة. سريعا تآمر عليه الخونة الجدد والاستعمار الجديد. جاء بعده جوزيف كازافوبو رئيسا. كان رجلا متواضعا شديد التواضع، ظل يقود سيارته الفولكسفاغن بنفسه ويذهب إلى السوق لشراء حوائج العائلة: عشرة أبناء. ثم استولى على السلطة، الرجل الذي سلم لومومبا إلى قتلته، جوزيف موبوتو، رقيب أول في الجيش البلجيكي. والآن حمل عصا ماريشالية. قبل أن يشرع في نهب إحدى أغنى دول أفريقيا، ألغى اسم الكونغو وأعطى البلد اسما أفريقيا (زائير). وكما غير رتبته العسكرية غير اسمه إلى موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبندو وازا بانغا. كان موهوبا في الخطابة وفي لعب الشطرنج. استغل الخطابة لخداع 60 مليون كونغولي، وبراعة الشطرنج في استخدام الناس. من لم يقنع علق بعد التعذيب. أقام حزبا واحدا وأعطى خيارا واحدا: هو القائد، وهو الشعب، وهو صاحب عصا الماريشالية. باختصار، هو زائير. ومع عام 1990 تحدرت هي إلى الفوضى وبكى وهو يتحدر إلى المرض. وتوفي عام 1997 وحيدا في الرباط، بعيدا عن حساباته في سويسرا.

بعده جاء لوران دزيريه كابيلا، مؤيد لومومبا. وصل عبر حرب طويلة في الأدغال، فيها سلاح وفيها مال وفيها ماس. وفيها مجازر بلا حساب. سمى إحداها «مشكلة صغيرة» وكان عدد ضحاياها 180 ألفا. ومثل جميع الثوار قتل جميع الرفاق. ومثل أكثرهم، اغتيل برصاصة مشابهة، أطلقها - كالعادة - أحد حراسه، في 16 يناير (كانون الثاني) 2001.

ورثه ابنه، جوزيف كابيلا، الذي نشأ في تنزانيا وأوغندا، وكان في الثلاثين من العمر. جاء ترافقه أو تسبقه جميع إشاعات السحر السائد في الكونغو. منها أنه ليس حقا ابنه. ومنها أنه وراء اغتيال والده. ومنذ مقتل لومومبا لا يزال الكونغو بلدا سيئ الطالع وسيئ السمعة. الموت مجاني والاغتصاب مجاني وأشكال القتل والاغتصاب (معا) لم يعرفها أي فيلم من أفلام الرعب.

موازنة هذا العام (العام الخمسون على الاستقلال)، كانت 6 مليارات دولار (لبنان 50 مليارا) بلد بلا كهرباء وبلا طرقات (5 أسابيع لعبور 3500 كيلومتر بالسيارات) معدل الأعمار 42 عاما (72 المعدل العالمي) (المعلومات من جون افريك) وعدد سكان العاصمة كنشاسا 9 ملايين نسمة! هذا نموذج آخر على احتفال دولة أفريقية بمرور نصف قرن على الاستقلال. نصف قرن من الاستقلال من دون لحظة واحدة من الحرية.