أملنا في الكرة

TT

انعكس كل هذا الاهتمام بمسابقات المونديال على التعليقات الكثيرة التي تلقيتها عن مقالتي «الكرة والهوية». وكان من الجميل أن لاحظت فيها جميعا تقريبا هذا الحماس على الانتماء للعروبة والإسلام، حتى أن أحمد صلاح البغدادي كتب من أميركا يتهمني بأنني «مسلم الديانة، عربي القومية، عراقي الأصالة، بغدادي الثقافة». هذه مكرمة منك يا أخي البغدادي؛ فما كنت أحسب نفسي أحمل كل هذه الصفات.

يذكرني هذا الحماس من قرائي بما قلته في مناسبات سابقة. وهو أن كرة القدم هي خير وسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية والانتماء لعروبتنا وإسلامنا. فما رأيت العراقيين يجمعون كلمتهم كما رأيتهم في كلمات التشجيع لفريقهم على مباريات كأس آسيا. كان ذلك الفوز أفضل وأبلغ بكثير من جميع ما يقوله ساستهم ويكتبه كتابهم ويسمعونه في مدارسهم. يمر العالم اليوم في مرحلة شك بما يقوله معظم الساسة والمفكرين. لم يعد أحد يعبأ بما يقولون. والدول العربية حديثة العهد ومتعددة الطوائف والقوميات. ما من سبيل لشد الانتماء والوحدة الوطنية كهذه الفعاليات، ككرة القدم. وأعتقد تماما أن تشجيعها والإنفاق عليها وتطوير فرق ناجحة ظافرة تحرز الكؤوس وتشارك بنجاح في المباريات العالمية خير وسيلة لغرس الروح الوطنية ودعم مشاعر الانتماء للوطن.

تجلت هذه المشاعر في رسالة ابتسام العطيات في الأردن. قالت إن بعض أصحابها الذاهبين للعراق سألوها عما تريده من هناك. قالت حفنة تراب فيها ريحة العراق. يا عزيزتي الفاضلة هذه تجربة مررت بها شخصيا وأنا ذاهب للعراق قبل سنوات. سألت زميلي داود الزبيدي: ما الذي تريده منه، قال حفنة تراب أشمها وأضعها على الرف، أتفرج عليها وأطلب أن يدفنوها معي عندما أموت. وجئته بها، وأعتقد أنهم دفنوها معه في مقابر لندن. هذه حكاية تجدينها في مجموعتي القصصية «من شارع الرشيد لأكسفورد ستريت».

يروي أحمد بربر من فرنسا، كيف أن ابنته الصغيرة (12 سنة)، سألته أثناء المباريات عن الفرق الفقيرة لتشجعها. ألا بارك الله في الأطفال وبراءتهم وصدق مشاعرهم ونبل أفكارهم. ولكن ابني آدم عندما كان في مثل تلك السن، اتبع طريقة مختلفة في تأييد الفرق الإنجليزية. وكانت طريقة إقليمية لتحديد الانتماء. ففي بريطانيا لا توجد فرقة فقيرة ليشجعها. كان يؤيد فريق ويمبلدون، المنطقة التي نعيش فيها. وعندما لا يوجد فريق ويمبلدون في مباراة معينة كان يؤيد أي فريق من لندن، المدينة التي نعيش فيها. جرت مسابقة ليس فيها أي فريق من لندن. جرت بين فريق ليفربول وفريق بورتسموث. تحير في الأمر فسألني: أي المدينتين أقرب إلى ويمبلدون؟ قلت: ليفربول تبعد بمائتي ميل وبورتسموث تبعد بمسافة ثمانين ميلا. قال: إذن سأشجع فريق بورتسموث! إنه الأقرب إلينا!

وهو في الواقع ما نفعله. إذا لم يوجد فريق عراقي، نؤيد أي فريق عربي. وإذا لم يوجد فنؤيد أي فريق مسلم، وإذا لم يوجد فنؤيد أي فريق آسيوي.