عالم مبهر!

TT

يقال إن الرياضة الحديثة أوجدت تنافسا «جديدا» بين الأمم والشعوب، ساهم بشكل قوي وواضح في إبعاد الحروب والتناحر بين الناس وبعضهم البعض، ولا مكان تظهر فيه هذه المقولة واقعها أكثر من مسابقة كأس العالم لكرة القدم، فكل مباراة هي «مواجهة» أو «معركة» والمدرب يصبح رئيس عمليات ينظم «الهجوم» و«الدفاع» والحملات الهجومية و«الخطط الدفاعية» وكأنه يكتب المباراة من صفحات كتاب فن الحرب للصيني صن تزوي.

إنها الحرب الحديثة التي تشاهد في المدرجات منقسمة بين مشجعي الفريقين بالأعلام والأبواق والزينة في ملحمة عصرية. ولكن من «اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي» وأعتقد أن الألمان ينفخون في منتجات الألبان كلها خوفا من الوطنية الزائدة، لأنها هي التي ولدت التعصب الذي فرخ الفاشية وأدى للنازية وما جلبت، فاليوم في برلين، على سبيل المثال، هناك مقاه ومطاعم كثيرة تدعو روادها لمشاهدة مباريات المنتخب الألماني بوعد أن تكون المشاهدة دون أعلام، وتضع «موقف أعلام» خارج المطعم أو المقهى، لأن هناك شريحة متنامية في المجتمع الألماني سئمت المجاهرة بالوطنية بعنف لأنها ستؤدي في اعتقادها حتما إلى العنصرية والتطرف، وهم يفرقون في ذلك بين المواطنةPARTIOTIC والوطنية NATIONALISM، الأولى يرحبون بها ويعتبرون أن وسيلة تأكيدها تكون بالعمل والمثابرة والإخلاص والتفاني والإتقان. والثانية تكون بالتعامل الفوقي والعنصرية والشعارات واللوحات والأغاني والصوت العالي! مثل جدير بالتأمل من دولة حرقت بالشوفينية الزائدة والزائفة، واليوم لديها ماكينة ملغمة متمثلة في منتخب كروي شاب بهر العالم بتألق غير عادي ويضم في صفوفه نجوما من أصول بولندية وتركية وتونسية وبرازيلية، خليط مبهر من الألوان والثقافات وإدارة ألمانية حازمة، والنتيجة أمام العالم تألق وإبهار.

وإذا كان العالم مشدودا ومبهورا بمعارك تدار على الملاعب العامة، فهناك معركة لا تقل ضراوة ولا شدة ولا حدة تدار في خفايا الكواليس، والمعركة المقصودة هنا هي بين شركتي الأدوات والملابس الرياضية «أديداس» و«نايكي» اللتين كانتا تتنافسان بقوة على حق الحصول على الزي الرسمي لأكبر عدد من الفرق المشاركة في هذه البطولة. «أديداس» لا تزال لها النصيب الأكبر بـ12 فريقا من الـ32 فريقا المشاركة في البطولة شاملة فرق الأرجنتين، ألمانيا، فرنسا، إسبانيا، والبلد المضيف جنوب أفريقيا، إضافة إلى أن «أديداس» هي راع رسمي للبطولة أيضا. «نايكي» تصرف بعنف للحاق بـ«أديداس»، وهي جديدة على ساحة كرة القدم نوعا ما، وكانت ضربتها الكبرى عام 1996 عندما وقعت حق الزي الرسمي لفريق البرازيل، وبعدها حصلت على حق فرق أخرى وتمكنت من شراء ماركة «امبرو» وحافظت عليها كماركة مستقلة وهي الزي الرسمي لفريق إنجلترا، وتم التوقيع مع الفريق الإنجليزي بمبلغ فلكي تبلغ قيمته 34 مليون يورو سنويا، تليه صفقة البرازيل بـ22 مليون يورو سنويا.

وفي الدورة المقبلة عام 2014 ستحصل «نايكي» على صفقة كبرى بحصولها على حق ملابس المنتخب الفرنسي بمبلغ 40 مليون يورو. حاولت «نايكي» وبقوة الدخول إلى عرين الأسد أهم عملاء «أديداس» وهو المنتخب الألماني، ولكن المنتخب الألماني أبقى على عقده مع «أديداس» مضاعفا المبلغ إلى 20 مليون يورو في مشاهد درامية مثيرة. وهناك شركات أخرى اكتفت «بالفتات» المتبقي فشركة «بوما» حافظت على علاقتها بحامل اللقب إيطاليا ومنتخبات أفريقية مثل «كوت ديفوار» و«الكاميرون». وهناك شركات صغيرة أخرى مثل «جوما» الإسبانية التي حصلت على حق منتخب «هندوراس»، وشركة «بروكس» الأميركية حصلت على حق منتخب شيلي، وشركة «ليجيا» الإيطالية على حق منتخب كوريا الشمالية. إنها ساحات الحروب الجديدة الثقافية والاقتصادية على ملاعب الرياضة، سواء أمام العالم أو خلف الكواليس. متعة وإثارة ومال واستفادة.. عالم مبهر!

[email protected]