السعودية.. يريدون تكريس التخلف!

TT

قبل استقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للطالبات والطلاب السعوديين بيوم في مدينة تورونتو بكندا، احتشد عدد من المبتعثين السعوديين في بهو الفندق للوفد المرافق، ولفت الأنظار وقتها رجل سعودي كبير السن يرتدي الزي السعودي، وله لحية بيضاء طويلة، تجلس بجواره فتاة منقبة صغيرة في السن. للوهلة الأولى اعتقدت أنه في كندا للعلاج.. سأله أحد الزملاء من رؤساء التحرير السعوديين عن أسباب وجوده هناك، فقال إنه يرافق ابنته التي حصلت على الابتعاث ضمن برنامج الملك عبد الله للابتعاث وقرر أن يأتي مرافقا لابنته لأنها ليس لديها مرافق.

تذكرت قصة هذا الرجل الذي ترك بيته، ووطنه، بعد كل هذه السنين فقط ليضمن لابنته الابتعاث والتعلم في الخارج، وأنا أقرأ مقالا كتبه أحد الملمعين للأصولية والأصوليين، يطالب فيه بدراسة أكاديمية ترصد تأثير الطلاب والطالبات المبتعثين على المجتمع السعودي بعد عودتهم، حيث يخشى كاتب المقال من تأثر المجتمع السعودي بالتغريب من نحو مائة وخمسين ألف مبتعث ومبتعثة!

فبدلا من أن يطالب الكاتب، وأمثاله، بإجراء دراسات أكاديمية نزيهة تقول لنا ما هو تأثير العائدين من أفغانستان، وغيرها من بؤر التطرف، على السعودية، وليس الآن، بل ومنذ عشرين عاما، وأكثر، وكيف تغلغل فكرهم في المجتمع، وخرج لنا هذا العدد من الإرهابيين الذين يزفون أنفسهم وغيرهم من الأبرياء إلى المهالك، يطالب اليوم بإجراء دراسة أكاديمية حول تأثير العائدين من الخارج بعد أن نالوا العلم المفيد!

ولو أن أمثال هؤلاء يطالبون بدراسات تقول لنا كيف نستفيد من عودة المبتعثين، وكيف نخلق لهم وظائف، وكيف يسهمون في تطوير المجتمع، أو يطالبون بدراسات تضمن لنا الحفاظ على برامج الابتعاث لمدة عشر سنوات قادمة، بل وأكثر، أو أنهم يقومون بدراسات تقول كيف نهيئ المبتعثين والمبتعثات قبل ابتعاثهم، قانونيا، ولغويا، لنجنبهم قسوة التجربة، ونساعدهم على تفادي الأخطاء، لكان ذاك أمرا أنجع، وأكثر فائدة. أما القول بإجراء دراسة للنظر في تأثيرهم على المجتمع بعد عودتهم، فما هي إلا محاولة تذاكٍ واضحة للتحذير من الابتعاث، وتشويه مفاهيمه.

والجميل، والمهم، أن الابتعاث قد لامس معظم الأسر في السعودية، وهو عمل سيبقى له أثر طويل على مواطني السعودية، نساء ورجالا، بل وعلى البلاد نفسها. فهناك من حمل أبناءه وذهب معهم إلى الخارج لكي لا يفوت عليهم فرصة التعليم، مثل الرجل الذي رأيته في كندا وأمثال آخرين، لأنهم آمنوا بأن «العلم يرفع بيوتا لا عماد لها»، كما قال شوقي رحمه الله. أما مَن يحاولون التذاكي، فمن الواضح أنهم يسعون إلى تكريس التخلف بحجة الحفاظ على العادات والتقاليد، وحماية المجتمع، وهي نغمة باتت مكرورة، وكثيرا ما سمعناها، حيث دائما ما ينظرون إلى الجزء الفارغ من الكأس للأسف.

وعليه.. فإن برنامج الملك عبد الله للابتعاث يعد علامة مضيئة في تاريخ السعودية، خصوصا بعد أن توقف الابتعاث لفترة طويلة. ولذا، فإن البرنامج يستحق الشكر والتقدير والإشادة ليستمر، وليس وضع العصي في العجلات!

[email protected]