مع بدء عملية إصلاح العلاقات مع إسرائيل

TT

مر شهر تقريبا منذ الهجوم الدموي الذي نفذته القوات الإسرائيلية الخاصة ضد سفينة المساعدة الإنسانية التركية ونتج عنه مقتل تسعة ناشطين أتراك وتوجيه ضربة قاصمة للعلاقات الإسرائيلية - التركية بعد أن كان الطرفان من أقوى الحلفاء في المنطقة. وخلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، وجهت تركيا اتهامات شديدة إلى إسرائيل وهددت بقطع العلاقات الدبلوماسية إذا لم تستجب إسرائيل للشروط التي وضعتها.

ويُظهر انعقاد اجتماع سري بين وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو ووزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر عقب لقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما، الأهمية العالمية التي تحظى بها العلاقات الجيدة بين هاتين الدولتين.

وموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على لقاء بن أليعازر مع أوغلو، تحت هذه الشروط، تبعث تفاؤلا كبيرا على اجتماع نتنياهو بأوباما اليوم (الأربعاء 7 يوليو «تموز» الحالي) لإيجاد حلول لهذه المشكلة الإقليمية ورفع الحصار عن غزة.

وتتوقع أنقرة أن يقوم أوباما بالضغط على نتنياهو من أجل الموافقة على تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية. وإلا ستستمر تركيا في سياستها الهادفة إلى عزل إسرائيل في جميع التجمعات والمنتديات الدولية.

وبحسب دبلوماسيين هنا في تركيا، فإن من المبكر الحديث عن «عملية إصلاح» لهذه العلاقات. فما زالت مطالب تركيا لإسرائيل مطروحة على الطاولة وتتضمن: اعتذارا رسميا من إسرائيل، وصرف تعويضات للقتلى الأتراك، وعودة السفن التركية الثلاث، وقبول إسرائيل بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الهجمات الدموية.

كما أن التوجه العام للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في غزة كان أيضا محل اهتمام تركيا.

ومن المتوقع أن تعود السفن الثلاث إلى تركيا في غضون أيام قليلة. في حين سيظل مصير المطالب التركية الأخرى مرهونا بنتائج لجنة التحقيق. وعلى الرغم من أن تركيا أكدت بالفعل أنها لن تقبل بنتائج لجنة التحقيق الإسرائيلية، فإنه لا يزال من المهم مراقبة ما إذا كانت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية ستغير من نهجها، ولو قليلا.

ويقول أحد السيناريوهات المتداولة هنا إن لجنة التحقيق الإسرائيلية ستقر بخطأ القوات الخاصة في إدارة الهجوم على السفن وتوجه إلى الوحدة التي قامت بهذا الهجوم الاتهام باستخدام القوة المفرطة في التعامل مع الناشطين. وسوف تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم اعتذار للضحايا وأسرهم وتعويضهم عن خسائرهم. حيث إن ذلك سيجنب إسرائيل تقديم «اعتذار دولة لدولة» وهو أمر صعب عليها، ولكنه في نفس الوقت سيكون حلا وسطا قد يقبل به الطرفان.

وتهدف هذه العملية، بطريقة أو بأخرى، إلى تنفيذ مطالب تركيا والرأي العام التركي الذي سيمنع أنقرة من تقليص تمثيلها الدبلوماسي في تل أبيب إلى درجة قائم بالأعمال. فمقارنة بالإجراءات الأخرى التي اتخذتها تركيا، مثل إلغاء المناورات العسكرية ومنع الطائرات العسكرية الإسرائيلية من الطيران في المجال الجوي التركي، يعتبر تقليص التمثيل الدبلوماسي الخطوة الأكثر رمزية والأصعب في التراجع عنها. ويمكن القول إن الجهود التي تقوم بها واشنطن وبعض المسؤولين المتعقلين في تركيا وإسرائيل تهدف إلى تجنب حدوث ذلك.

ومرة أخرى يثبت حادث 31 مايو (أيار) الماضي وتطوراته التي ما زالت مستمرة منذ شهر أنه على الرغم من أن كلا البلدين يخاطر بتدمير العلاقات بينهما، فإنه لن يُسمح لهما القيام بذلك خوفا على مصلحة منطقة الشرق الأوسط. لأن ما نتحدث عنه ليس فقط علاقات ثنائية بين تركيا وإسرائيل، إنها في الواقع علاقة ثلاثية بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة. إن التدهور في العلاقات بين تركيا وإسرائيل سيؤدي في النهاية إلى تدهور مماثل لعلاقات كل من الطرفين مع الولايات المتحدة، وهو أمر لا تحبذ واشنطن حدوثه.

لقد تم بناء هذه المعادلة الثلاثية خلال العقدين الماضيين. حيث تقوم إسرائيل بتزويد تركيا بالتقنيات العالية للحرب والعمل الاستخباراتي، وفي المقابل تقوم تركيا بالحرب على الإرهاب فيما يوفر هذا البلد المسلم الأكبر في المنطقة الدعم السياسي لإسرائيل.

ومن جهة أخرى، فقد نجحت الولايات المتحدة في تشكيل تحالف بين حليفيها الأقرب في هذه المنطقة التي تتسم بعدم الاستقرار. واستفادت تركيا من دعم اللوبي اليهودي في كفاحها ضد اتهامات أرمن الشتات ومحاولتها الانضمام للاتحاد الأوروبي.

إن حل هذه المعادلة لن يكون في صالح أي من الأطراف الثلاثة. ومن الطبيعي أن نتوقع المزيد من الجهود في الأيام المقبلة لوقف حدوث مزيد من التدهور للعلاقات التي من شأنها أن تكون أساسا لمحاولات مستقبلية لإعادة كافة الأمور إلى مسارها الصحيح.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية