أقدام ورؤوس

TT

دورة كأس الكرة في أواخرها. لا أدعي التسمر خلف التلفزيون. لكنني، خلافا للسنوات الأربع العجاف، أشاهد مباراة من هنا ومباراة من هناك ومباراة بعدها. أفكر دائما، أن ثمة في الأقدام ما هو أرقى من الرؤوس. كرة القدم بديل لمصارعة الأسود في ملاعب روما، يوم الجمهور أكثر وحشية من الإمبراطور وأكثر سادية من الإمبراطورة.

وهي بالتأكيد بديل رائع لمصارعة الثيران في إسبانيا. حيث تعلو أصوات الناس مهللة كلما رمى المصارع كتفي الثور الجريح بسيف إضافي وتركه هناك، ويظل يرميه إلى أن ينزف الثور الغبي وينهك ويتهاوى ويموت، فيقف ألوف الإسبان هاتفين. إنها لعبة تقوم على مكر الإنسان ودمويته وغباء الثور، الذي بدل أن يدير ظهره للاعبين وللوشاح الأحمر، ويمضي في طريقه، يغضب ويجن ويقارع، فيما تحاصره مجموعة من الرجال وتطارده وتدفعه صوب المصارع المرصع والموشى مثل فستان العرس.

ألغيت هذه السادية في فرنسا وغيرها، وبقيت في بلاد الإسبان، الذين أقروا 5 لغات مختلفة، واتفقوا فقط على تعذيب الثيران وترصيع المصارعين. الكرة لعبة مثيرة، من دون دماء. تهتف الجماهير لأن كرة دخلت المرمى، لا لأن سيفا رمي في عين الثور. ثم مجموعة سيوف إلى أن يصبح جلده الأسود بلون الوشاح الذي يحاول أن يهاجمه بقرنيه.

ما هذه اللعبة المقيتة؛ يفتح باب جانبي في الحلبة الوسيعة، فيخيل للثور أول الأمر أنه خارج إلى الحقل. لحظات ويدرك أنه محاصر من كل مكان. الباب الذي خرج منه قد أغلق خلفه، والباقي جدران خشبية، وصخب وضجيج وجموع، وذلك اللون الأحمر الذي يبعث فيه الجنون. مجموعة تطارده وتفر. ومجموعة تلوح بالأوشحة الحمراء وتفر. ومجموعة تلوح بالأوشحة الحمراء وتكر. وهذا البائس يحفر الأرض بحوافره، وهو يتطلع في كل جهة. ومطاردوه جبناء يهربون ويحتمون خلف الخشب. ماكرون وهو مسكين وغبي ولم يتعلم بعد أن الإسبان شعب يتسلى بالدماء تنزف من ظهر الثيران.

معذبوه أيضا أغبياء. لا يتميزون عليه إلا بسيقانهم. محصنون بأبواب الهرب وهو محاصر، لن يخرج إلا من باب الموت. لا. لا. إنها هنا، أمتع النفس بمشاهدة أداء اليابانيين، ثم أداء الألمان. وكنت دائما أعني ما أقول عندما قلت «سيمفونية الأقدام». لقد أراحتنا من جنون الرؤوس.