أميركا للعراق: إما حكومة وحدة وطنية وإما المجهول!

TT

للمرة الثانية خلال أشهر قليلة يأتي نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العراق لحث السياسيين العراقيين على خرق الباب المسدود أمام تشكيل حكومة جديدة، ويدفع إلى تشكيل حكومة اتحاد وطني قبل حلول نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، الموعد الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما لـ«انتهاء المهمة العسكرية في العراق» وبدء «عملية الفجر الجديد». وفي حال اتفقت الأحزاب العراقية على أن «تبزغ» الحكومة الجديدة مع «هذا الفجر» أو لم تتفق، فإن الأميركيين بدأوا انسحابهم الفعلي ولن ينتظروا.

عدد كبير من السياسيين العراقيين، ومن المراقبين الدوليين، كانوا يتوقعون أن لا تتشكل الحكومة العراقية إلا بعد شهر رمضان المبارك، لكن إذا انتهى شهر سبتمبر (أيلول) ولم تتشكل الحكومة المنتظرة، ستُطرح علامات استفهام كبيرة حول أهداف السياسيين العراقيين الطموحين جدا.

سبب التأخير والمماطلة والمساومة هو أن الانتخابات لم تسفر عن منتصر بشكل واضح، والمشكلة أن العراق ليس مثل بريطانيا، حيث التقاليد الديمقراطية التي تعود لقرون طويلة تنتج حوارا سياسيا وتعتمد على موظفي الخدمة العامة للإبقاء على تسيير أعمال الدولة.

ونسي السياسيون العراقيون أن وضعهم يختلف عن وضع الحكومات في العالم الغربي مثلا، حيث الحكومات تطرح وتدرس مشاريع للمدى البعيد، لا مشاريع متعلقة بالأسس المبدئية لمعيشة كل مواطن فيها، إذ في العراق، كما في عدد من الدول العربية مثل لبنان، المشكلات المعيشية تظهر دائما بأشكال مختلفة مثل مشكلات الكهرباء والمياه... إلخ، لأنها لا تجد حلولا.

أيضا، في العراق نظام غريب. ففي أغلبية الدول هناك أحزاب ورؤساء أحزاب، وعندما تجري الانتخابات فإن الناخبين يعرفون أنه إذا فاز هذا الحزب فإن رئيسه يصبح رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية. صوّت العراقيون للتحالف أو للحزب الذي اختاروه، وقد يكونون صوتوا ضمنيا لرئيسه حتى يشكل الحكومة، لكنهم قد ينتهون برئيس وزراء مختلف تماما. هناك احتمال بأن يبقى نوري المالكي، رغم كثرة الانتقادات التي يتعرض لها، لأن الكثيرين لا يرتاحون لأسلوب قيادته. وليس من الضروري أن يكون رئيس الوزراء المقبل من تحالف دولة القانون، وبالتحديد من «الدعوة». ومنذ فترة والمراوغات مستمرة، أي مع اللقاء الثاني الذي جرى بين علاوي والمالكي، احتجت مجموعة عمار الحكيم (الائتلاف الوطني) على أن هذه محاولة من المالكي لتهميشهم، مع علمهم الأكيد بأنه لا يستطيع ذلك. والتفكير الصحي أن تضم الحكومة المقبلة المالكي وعلاوي والحكيم إضافة إلى الأكراد. لأنه إذا لم يُسمح للسنّة بأن تكون لهم كلمة مسموعة وفاعلة في الحكومة الجديدة، فسيكون ذلك خطأ جسيما، فهم شاركوا في الانتخابات ويمثلون نسبة عالية من الأصوات، فإذا ما تم استبعادهم سيدخل العراق مجددا في نفق الظلام والعنف.

من ناحيتهم يدرك الأكراد أن رئيس الوزراء يجب أن يكون شيعيا، وما يتطلعون إليه من رئيس الوزراء المقبل أن يحترم ما نص عليه الدستور، والنظام البرلماني بالذات. والكل يأخذ على نوري المالكي تجاوزه الإجراءات البرلمانية التقليدية، والغريب أن البرلمان لم يكن يعترض. مثلا، ينص الدستور على أن قادة الفيالق العسكرية الذين يسميهم رئيس الوزراء إنما يجب أن يصادق عليهم البرلمان. لكن المالكي عمد إلى تعيينهم بالوكالة، وبهذا تجنب التصويت البرلماني عليهم.

المشكلات العراقية ليست داخلية فقط، إنما للدول المجاورة نفوذ مختلف الأبعاد، ويعترف الكثير من المسؤولين العراقيين بأن إيران لا تريد عراقا مستقرا، ومزدهرا وديمقراطيا، هي بالأحرى لا تريد للعراق حتى السير في هذه الطريق. ويؤكد سياسي عراقي أن إيران تفعل وستفعل كل ما في وسعها لزعزعة الاستقرار في العراق كي تستمر الانقسامات والعنف والتوتر بين المجموعات العراقية المختلفة من أكراد وعرب: سنّة وشيعة.

ويضيف: إن إيران تدفع لمجموعات مختلفة للقيام بهذه الأدوار. وإنها لا تركز فقط على الشيعة، ففي الماضي مولت «القاعدة» والسنّة، وهي لا تهتم بمن ستكون اليد المنفذة. لديها مجموعات مختلفة تقوم بالأدوار المطلوبة، وهي مستعدة للإبقاء على عراق غير مستقر. إنها تريد «الحجز» على العراق في دائرة التوتر.

وأسأله: إذا كان الوضع كذلك فمن الصعب تشكيل حكومة مهمتها إنقاذ العراق. يجيب: للعراقيين الآن مشكلاتهم الخاصة من دون تدخل إيران أو دول الجوار الأخرى، هناك مشكلة نقص الاتصال، وعدم التفاهم بين المجموعات العراقية، إنها طريق صعبة.

وعن دور دول الخليج يرد العراقيون بأنه مزيج من الإيجابية ومن السلبية، أما تركيا فرغم أن مواقفها العلنية في ما يتعلق بمنطقة كردستان كانت إيجابية، فإنها من جهة أخرى تستمر بقصف الحدود، والحكومة المركزية في بغداد لا تتحرك لوقف هذا القصف. رئيس الإقليم الكردستاني مسعود بارزاني أصدر بيانا طالب فيه بتوقف القصف. يبدو أن الأكراد لا يريدون توتير الأوضاع أكثر مع الدول المجاورة. ويتذكرون أنه عندما كانت علاقتهم سيئة مع تركيا، فإن أحد أسباب غضب تركيا كان بسبب وصول الصحافيين إلى جبل قنديل، والكتابة عن حزب العمال الكردستاني، وقد أثار هذا حنق تركيا. وليس معروفا كيف سيكون رد فعلها وفعل إيران الآن، إذ نقل يوم الجمعة الماضي مراسل «الشرق الأوسط» تقريرا مهمّا عن نشاط الأكراد الإيرانيين في جبل قنديل، ويوم الثلاثاء الماضي نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية تقريرا من جبل قنديل عن استعدادات حزب العمال الكردستاني لنقل عملياته إلى داخل الأراضي التركية.

ما يقلق الأكراد أيضا أن بعض العناصر من داخل الأحزاب العراقية ومن داخل الحكومة، وبعض الدول المجاورة لا تريد أن يكون الوضع في كركوك مستقرا بما يكفي لإجراء استفتاء. عدد من الأحزاب العراقية لم يرغب أن تشارك كركوك في الانتخابات الأخيرة. فحاولوا منعها، لكن الأكراد هددوا بمقاطعة الانتخابات. يريد الأكراد أن تنتقل تبعية كركوك إلى منطقة كردستان بطريقة شفافة. يثقون بأن هناك آلية اتفق عليها في الدستور، ويعتقدون بأنها عادلة، فالناس الذين رُحّلوا عنها وصودرت أراضيهم يعودون، والذين كانوا يعيشون فيها منذ عشرين سنة أو أكثر يتم تعويضهم، ويجري الاستفتاء. يستبعدون في حال عودة كركوك إلى الإقليم أن يتوتر الوضع الأمني. ذلك أنه في المدن التابعة لكردستان حاليا، مثل دهوك، وأربيل، والسليمانية تحاول مجموعات إرهابية اختراقها، لكن الأكراد نجحوا في إبقائها بعيدا بتفشيل مخططاتها. لذلك فالأكراد متأكدون من أنه إذا انضمت كركوك إلى كردستان فإن وضعها الأمني سيتحسن كثيرا.

وعودة إلى عقدة الحكومة، السياسيون العراقيون الآن ليسوا قلقين، لأن الحوار مستمر بين الأحزاب، وإذا دخل العراق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين من دون حكومة فسيكون قد دخل في نفق الأزمة، وسيكون لهذا تأثير سلبي على العراق، وسيبدو قياديوه غير قادرين على اتخاذ القرار.

أمام الأحزاب العراقية حتى عيد الفطر فرصة للاتفاق على تشكيل حكومة، لكن كم سيكون العراق «سعيدا» إذا فاجأه سياسيوه بحكومة بالتناوب على رئاستها قبل حلول شهر رمضان المبارك!