جامعة الدول العربية.. بين تغيير الاسم وتطوير المضمون

TT

بحثت القمة العربية المصغرة المنعقدة مؤخرا في طرابلس التي ضمت قادة (ليبيا ومصر والعراق وقطر واليمن) عددا من التوصيات المتعلقة بتطوير جامعة الدول العربية والأجهزة الرئيسية التابعة لها وإضافة عقد قمة عربية تشاورية سنوية في دولة المقر بالإضافة إلى القمة الدورية العادية، وعقد قمم عربية نوعية على غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتغيير اسم الأمانة العامة إلى مفوضية، وقد تركزت مناقشات القادة حول هذه التوصيات في فكرتين رئيسيتين: إحداهما إقامة اتحاد عربي والاتفاق على ميثاق جديد، والثانية تبني منهج التطوير التدريجي والإبقاء على اسم الجامعة العربية في المرحلة الحالية، وإرجاء بحث إقامة الاتحاد في أعقاب تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة.

وفور انتهاء هذه القمة تجدد الحديث في الشارع العربي عن دور جامعة الدول العربية وأهميتها وما حققته خلال تاريخها الممتد لـ65 عاما باعتبارها واحدة من أقدم الهيئات والمنظمات الإقليمية المتعددة الأطراف في العالم، حيث كان تأسيسها عام 1945 بعد مخاض عسير، رغم أن مؤسسيها حينذاك كانوا 7 دول فقط (مصر وسورية والعراق والأردن ولبنان والسعودية واليمن) وقد ارتفع العدد منذ ذلك التاريخ إلى الضعفين بفضل نيل عدد من الدول العربية استقلاله، وبالمناسبة جامعة الدول العربية أسبق في التأسيس من منظمة الأمم المتحدة بأشهر.

والشائع بين السواد الأعظم من سكان العالم العربي من المحيط إلى الخليج أن الجامعة العربية هيئة لم تتمكن من تحقيق طموحات الشعوب العربية في وحدة الصف والكلمة، بل إن أوضاع العرب قد ازدادت تفاقما منذ ذلك التاريخ يوما بعد يوم، والخلافات العربية - العربية مستمرة، والقضية المركزية للعرب (فلسطين) تراوح مكانها، بل تحولت مع تقادم الزمن من صراع عربي - إسرائيلي إلى صراع فلسطيني - فلسطيني، كما أن الحال العربي بمجمله غير مطمئن، فما عاد المواطن العربي يبكي فلسطين وحدها بل أصبح مع فجر كل يوم ينعى الضحايا الأبرياء الذين يتساقطون في العراق كأوراق الشجر في فصل الخريف العاصف، وهذا النعي يمتد إلى جنوب العالم العربي في الصومال الذي ما زال شعبه يعاني التقتيل والتشريد منذ عشرين عاما دون أمل بالخروج من دوامته، وحتى اليمن الذي كانت وحدته عام 1990 إشراق تاريخ وضاء في سماء العرب أصبحت أحداثه الأخيرة مقلقة، والسودان الذي تغنينا بنيله وخصوبة تربته المترامية الأطراف بأنه مسلة العالم العربي الغذائية الذي يؤمل منه الكثير أصبح بدوره يترقب المقص الذي يريد أن يقتطع أجزاء منه، وزاد في الأمر أن بحار العالم العربي أصبحت مرتعا للقراصنة.

كما أن المواطن العربي ما زال يشكو نقاط التفتيش على الحدود المعرقلة لانسيابية الحركة والانتقال، والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بمجمله ضعيف، وغير ذلك من أمور جعلت المواطن العربي يشعر بأن هذه الهيئة التي تمثل بيت العرب لم تقم بدورها الذي من أجله انطلقت وأنها قد قصرت، إن لم تكن قد فشلت، في تحقيق المراد والمبتغى، في الوقت الذي نجحت تجمعات أخرى أحدث في إنجاز الكثير على الرغم من عدم توفر مقومات ومعطيات التكامل والاتحاد التي تتوفر لدى الدول العربية.

إلا أنه في المقابل هناك من يقول إن هذا الطرح غير صحيح، وإنه من الإنصاف الإيضاح بأن جامعة الدول العربية ليست بكيان خارجي سقط من السماء أو انبثق من الأرض يمكن له أن يحقق طموحات الشعوب العربية بمنأى عن الحكومات؛ بل الحقيقة أن الغرض الرئيسي حسب ما نص ميثاقها هو: «توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها. كذلك من أغراضها تعاون الدول المشتركة فيها تعاونا وثيقا بحسب نظم كل دولة منها وأحوالها».

ومن هنا يكون واضحا تماما أن الدور الرئيسي للجامعة هو التنسيق بين الدول العربية فيما تتخذه حكومات هذه الدول من قرارات، وبذا فإن الجامعة العربية ككيان جامع للعرب تكون قد حققت الأرضية التي يلتقي عليها العرب والسقف الذي يختلفون تحته وهذا هو الأهم، فالخلاف بين العرب قائم بوجود الجامعة أو بغيابها؛ ولكن أن يكون هناك كيان يتم في إطاره الاختلاف والاتفاق ويمثل لهم بيتا فيه يحلون مشكلاتهم؛ هو أمر لا شك حميد، وقد نجحت هذه التجربة في لبنان عندما كانت جامعة الدول العربية مظلة لاتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية، وكذلك اتفاق الدوحة الذي رعته دولة قطر.

كما يقول أصحاب هذا الرأي أيضا إن الجامعة العربية لا يقتصر دورها على الجانب السياسي فحسب، بل هو ممتد إلى نواح أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وتعليمية، من خلال عدد من المنظمات المتخصصة أشهرها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، واتحاد رجال الأعمال العرب...إلخ، وهذه في المقابل لها إنجازات كثيرة لا تجد الدعاية الكافية لذكرها بسبب طغيان الإخفاقات السياسية على سواها.

أما أنا فأقف على مسافة واحدة من الرأيين، مؤكدا أن جامعة الدول العربية هي بيت العرب الأول الذي يُلجأ إليه في كل الأحوال وفي أي ظرف كانت أو ستكون به الأمة، ما دام أن ماضي العرب وحاضرهم ومستقبلهم واحد وخصومهم يستهدفونهم جميعا؛ وجميل أن يُغير الاسم ليتوافق مع معطيات العصر ومسمياته الحديثة ما دام هناك تجارب مماثلة ناجحة في العالم، ولكن تغيير الاسم وتعديل الميثاق يجب أن لا يكون بمعزل عن التطوير الفعلي للمضمون وآليات العمل مع تلافي القصور؛ خصوصا أن موضوع التطوير للجامعة العربية ليس بطرح حديث بل هو قديم جديد سبق التطرق إليه من قبل.

لذا أعتقد جازما أنه من الممكن أن يكون دور هذا الصرح العربي العظيم أفضل مما هو كائن الآن؛ ليس بتعديل الاسم ونصوص الميثاق فحسب، بل كذلك بتطوير آليات عمل الأمانة العامة وتحقيق أكبر قدر لها من الشفافية، وجعل إدارتها أكثر مرونة وأعلى شأنا، ورفد قياداتها بالدماء الشابة الجديدة الطموحة المؤمنة بالتغيير والتطوير من المتميزين بين 340 مليون عربي من أي قطر كانوا على مساحة الـ14 مليون كم مربع، كما أن تفعيل البرلمان العربي وانتخابه بشكل مباشر ومنحه مزيدا من الصلاحيات الرقابية والتشريعية وجعله أكثر كفاءة بالإشراف على عمل أجهزة الجامعة والاعتداد برأيه أثناء التطوير على غرار ما هو حاصل مع الاتحاد الأوروبي.

ولكن قبل كل ذلك لا بد من اقتناع الحكومات العربية وإيمانها المطلق والفعلي بضرورة العلو على المصلحة القطرية الضيقة بتطوير العمل العربي المشترك في سبيل تحقيق النجاح الأعم والأشمل.

أعتقد أن ذلك هو صلب الموضوع وجوهر المضمون الذي يجب أن يطاله التطوير قبل تغيير الاسم.

* دبلوماسي جيبوتي