أقوام يقولون!

TT

بثقة متناهية زعم كاتب أن الرئيس السادات أضاف إلى الدستور المصري مادة تقول إن «الشريعة الإسلامية هي مصدر السلطات»، وعلى عزف هذا الزعم، الذي لا أساس له من الصحة، أنشد واستمر في مواله لا يلوي على شيء، منددا بهذه «المادة» التي اخترعها، ولعله كان يقصد بها المادة الثانية من الدستور التي تقول في نصها الصحيح: «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، فلا ذكر بالطبع لحكاية «مصدر السلطات»، وشتان بين معنى ما تفضل به اختراع الكاتب وما يفيد به المنطوق السليم لهذه المادة التي تعترف بمصادر أخرى للتشريع إلى جانب الشريعة الإسلامية.

أمثال هذا الكاتب كثير، تعج بهم حاليا الصحافة المصرية، القومية وغيرها، يقعون في أخطاء مبتكرة ومتواصلة في النصوص والأسماء والتعريفات، وعلى رأسها تعريف الدولة الدينية/الثيوقراطية، التي عرفتها الحضارة الغربية المسيحية وعانت منها ولا علاقة للحضارة ولا للدولة الإسلامية بها، عبر عصورها المتتالية والمختلفة، منذ أن أقام سيدنا ونبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، بعد هجرته الشريفة إليها، ودولة الرسول هي بلا شك «الدولة المدنية»، التي نقبلها بنسبتها إلى «المدينة المنورة»، وإلى كونها قد تأسست على «مبادئ» الشريعة الإسلامية والتوجيه النبوي: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».

رفع اللادينيون شعارهم «حريتي أن أمنعك» وتغولوا في التحرش والاستفزاز، لأن الناس قد أدارت لهم ظهورها وأغلقت عنهم آذانها بعدما تبين للجميع كم الشر الذي دلت عليه لافتاتهم المخادعة، مما دفعهم إلى الاستبداد العصبي الهستيري، فهم يرون أنهم قد استولوا على مقاليد ومفاتيح التحكم الثقافي، ومع ذلك هم في عزلة، مما أنتج عنهم الكثير من التقولات غير الراجحة والاجتهادات فاقدة المصداقية والمبادرات المتخبطة.

فتارة نراهم يجمعون التوقيعات من دوائرهم لإدانة حكم قضائي، متوهمين اختراقا دينيا للقضاة، وتارة أخرى يهرعون إلى رفع الدعاوى، يصاحبونها بضجة إعلامية يفتعلونها كأنهم قد حصلوا على أحكام مؤيدة لعرائضهم. ورغم دأبهم على تسفيه كل مرجعية دينية، فهم لا يترددون في الالتحاف بعلماء دين من قدر العالم الجليل الفقيه الإمام محمد عبده، صاحب «رسالة التوحيد»، الذي ألبسوه أهواءهم ومقاصدهم وتزويراتهم حتى ليبدو المسكين، رحمة الله عليه، معاديا لتحكيم الشريعة ومستبعدا لمقاصد الإسلام، من قمتها حتى الزي الشرعي للمرأة. وفي الزحام لا يكتمل الاستشهاد بنص «الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل» بعد أن يقرر أكاديمي ومسؤول ثقافي متسلط، يتيه كبرا بأكاديميته، بتر «وصدقه العمل»، ولا يرى في ذلك نقصا علميا يتشابه بين فعله المخل وفعل من قالوا: «لا تقربوا الصلاة» وتغافلوا عن «وأنتم سكارى»! وبسبب درجته العلمية لا يمكن أن نظن فيه الجهل مما يدفعنا إلى الرأي بأنه يتعمد التضليل ليساند إلحاحه، الذي لا يتوقف، على رفض الدين والدعوة إلى طمس ملامحه باعتماد منهج الاستبداد القائم عليه سعي رهطه الحثيث لتمكين دولتهم اللادينية، وقانا الله شرها، باسمها الحركي «الدولة المدنية».