حكاية أفضل لاعب في العالم

TT

ربما لا يعلم البعض أن أفضل لاعب في العالم وفق استفتاء الفيفا الأخير الأرجنتيني ليونيل ميسي كان يعاني من مشكلة نقص في الهرمونات في صغره مما أثر سلبا في نموه الجسماني، وتطلب الأمر مبالغ طائلة عجزت أسرته عن توفيرها. ولما هاجرت إلى إسبانيا التحق ابنها الفتى ميسي بنادي برشلونة العريق، فتابعه مدير النادي، وبهره أداؤه وتنبأ له بمستقبل باهر، فقرر أن يتكفل بنفقات علاجه الباهظة. وبعد سنوات حاز ميسي لقب هداف الدوري الإسباني وأفضل هداف في أوروبا.

قال عنه اللاعب الأسطورة بيليه: «مع تعصبي الشديد لمنتخب البرازيل، لكني بكل صراحة أحب مشاهدة أرجنتيني واحد؛ هو ميسي»، وبنى الأرجنتيني مارادونا عليه آمالا كبيرة بأن يصبح خليفته في الملاعب. وعلى الرغم من أنه لم يتجاوز حتى الآن 22 عاما، فإن مراقبين يتوقعون له أن يرفع كأس العالم في الأعوام المقبلة.

السؤال الذي يطرح نفسه، كم موهوب في الوطن العربي ضاعت مواهبه سدى ليس لسبب سوى أنه لم يجد من يثق في قدراته. مشكلة المبدعين في أوطاننا أن من يئد مواهبهم هم أقرب الناس إليهم، كأفراد الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء العمل، لأسباب مختلفة. وهناك كثير من المبدعين في مؤسساتنا العربية الحكومية والخاصة، غير أن بعض القياديين فيها يصرون على أن يشغلوهم في وظائف بعيدة كل البعد عن نقاط قوتهم، وأحيانا بحجة التسلسل الوظيفي الذي يحجب عنهم حوافز مهمة هم أحق بها من غيرهم. والغريب أن هؤلاء المسؤولين مستعدون لإنفاق مبالغ طائلة لجلب غرباء من خارج المنظمة.

صحيح أن اللاعب الشاب ميسي كانت لديه مشكلة صحية مكلفة ماديا، وكانت مسألة تبني النادي له من قبيل المجازفة الكبيرة لأنه قد لا يكتمل نموه أو يضعف أداؤه، ولكنه حدس القياديين الذين يؤمنون بقدرات العاملين معهم، بل لا يهدأ لهم بال إلا بالتنقيب عن المميزين من حولهم، قبل التوجه إلى خارج المنظمة.

لا يخلو إنسان من العيوب أو النقائص، وهذه الحقيقة أوجدها الله عز وجل لنكمل بعضنا بعضا وليسعى المرء دائما إلى تطوير قدراته. وهناك كثير من المؤسسات العربية الرائدة التي انتبهت إلى هذه الحقيقة فصارت تحرص على صقل مواهب موظفيها، وتعالج قصور البعض الآخر بأن «تنتقي» لهم أفضل الدورات التدريبية في المنطقة وربما في العالم، وتقدم لهم أفضل الخدمات التأمينية الصحية لأنها تؤمن بأهمية تنمية أصولها البشرية، وبضرورة توفير الرعاية الصحية اللازمة حتى لا يكون المرض عائقا أمام أداء العاملين.

ولا بد من أن تمنح الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية المسؤولين صلاحيات إرسال الموظفين إلى عدد محدد من الدورات (من غير المفروضة عليهم) بحيث يختارها المدير بنفسه مع الموظف في سبيل تطوير قدراته. ولا مانع من أن توقع الشركة عقدا مع الموظف يلزمه بالعمل لديها لمدة معينة عندما تكون تكاليف الدورة أو البعثة الدراسية باهظة الثمن، فإذا استقال قبل المدة المحددة فإنه مطالب بدفع نسبة من المبلغ المدفوع.

أفكار دعم المبدعين لا تعد ولا تحصى، كل ما في الأمر أن ينزل بعض القياديين في الوطن العربي من أبراجهم العاجية ويفتشوا عن المبدعين بين ظهرانيهم في المؤسسة، حتى إذا ما بزغ نجم هؤلاء المميزين، جاز لهم أن يفاخروا بهم وبقدراتهم، وبأنهم صناعة محلية بحتة! ولنتذكر أن الموهبة وحدها لا تكفي للنجاح والتألق، فكم من موهوب لم يجد من ينتشله من معاناة التجاهل المجتمعي، فطوته صفحات النسيان إلى الأبد.

[email protected]