أليس كذلك؟

TT

غابت الصنعة الروائية زمنا طويلا عن لبنان. كان هناك شعراء كثيرون وكتاب كثيرون ونفر قليل من الروائيين. بدأت الرواية، بمفهومها المعترف به، مع توفيق يوسف عواد في ثلاثينات القرن الماضي، ثم ظهرت أميلي نصر الله وليلى بعلبكي منتصف القرن، وظهرت محاولات فردية كانت لا تلبث أن تغيب. وكان يخيل إلي أن السبب الرئيسي هو أن لبنان بلد صغير، والناس تعرف بعضها البعض، مهما حاول الكاتب تمويه الملامح لإخفاء أبطاله. فقد كانت القواعد الاجتماعية تفرض «حماية» الناس وخصوصياتهم وأحداث حياتهم. وربما هذا ما جعل سهيل إدريس ينصرف إلى صنوف أخرى من الكتابة بعد تجاربه الأولى.

ظهرت في مراحل مختلفة روايات «جريئة» سماها الزميل إبراهيم سلامة «أدب النسوان»، وهي مطالعات في الجنس انتهت مع نهاية الغرض وبلوغ الشهرة. وكان يسمى هذا النوع من تعاطي الكتابة «الأدب الواقعي»، والحقيقة أنه كان فيه كثير من الواقعية والقليل جدا من الأدب.

وألاحظ الآن على تلفزيون لبنان مسلسلات «واقعية»، لم يعد يهمها شيء من تلك القواعد أو المخاوف التي سببت غياب الرواية في القرن الماضي. ولم أعد أعرف إن كانت العائلة اللبنانية هي ما تقدمه لنا التلفزيونات، أو ما كنا نعرفه تحت اسم العائلة؟ ويخيل إلي أحيانا أن معظم هذه المسلسلات منقول عن برامج غربية ومدبلجة باللهجة اللبنانية. وأرى أن كل ما تفعله هذه المنتجات التجارية أنها تضيف إلى مجموعة البرامج «الواقعية» الأخرى، القائمة على تصوير حياة الشبان والشابات في مكان واحد، غرف نوم عديمة الذوق في ديكورها، ومخادع عديمة الذكاء في حوارها، ولم يبق للكاميرا الجريئة سوى دخول الحمامات، دون الاهتمام بالفصل بين الرجال والنساء.

بذريعة «الواقعية» و«الفن» تقدم هذه البرامج ساعات طويلة من لقاء لا حوارات فيه، ومن أمكنة لا جماليات فيها، «فالجينز» هو سيد الأناقة الواقعية، إلا إذا تطلب المشهد قليلا من كشف الواقعيات الفنية الأخرى. لا أعرف إن كان هذا النوع من البرامج يحتاج إلى كاتب ومخرج، أم فقط إلى مصور ومعلن ومهندس ديكور يحب التخوت الخشبية والبيوت التي لا نوافذ لها. أو بالأحرى الأمكنة. فما نراه لا يمكن أن يكون بيوتا ولا حياة بيوت ولا سلوك بيوت. وربما هذا ما يريده المعلن، أو صنف معين من المعلنين يريد الوصول إلى صنف معين من المستهلكين. لكن بالتأكيد ليست هذه صورة لبنان.