حديث السفير عن ضرب إيران!

TT

قرأت الثلاثين صفحة التي تضمنت نص الندوة الزوبعة، التي تحدث فيها السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، وأثارت غضب إيران، بسبب ما نسب إليه من قوله إن تبعات ضرب إيران اليوم أرخص كلفة من إيران النووية غدا.

إيران ردت بسيل من الشتائم، رغم أن الخارجية الإماراتية قالت إن المنقول على لسان سفيرها ليس دقيقا، وخارج عن سياقه.

وما دام أن الزوبعة ثارت، فلا بأس أن نخرج عن سياق الحديث، ونفتحه على مصراعيه، هل قال السفير كفرا بحكم منصبه، وهل قال كلاما خاطئا في مفهومه السياسي؟ والأهم، بعد أن قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا، هل هي تصريحات مفيدة أم مضرة؟

الحقيقة أن المسؤولين والمحسوبين على النظام الإيراني عودونا على التعبير عن آرائهم بمنتهى الحرية، وعلى إطلاق التصريحات المهينة ضد دول الخليج بمناسبة ومن دونها، بل لا يتورعون حتى عن إطلاق التهديدات، وهي الأسوأ والأخطر من الأحاديث الصحافية. قبل أسبوعين فقط، قال الإيرانيون الرسميون إنهم يعتزمون تفتيش السفن المتوجهة إلى موانئ دول الخليج العربية، ردا على قرار مجلس الأمن القاضي بحق تفتيش السفن المتوجهة إلى موانئهم الإيرانية عندما يُشَك في حمولتها. إيران لم تتجرأ أن تهدد بتفتيش السفن الأميركية أو الأوروبية أو الروسية في المنطقة، وهي كثر، بل خصت فقط تلك المتعاملة مع الخليج، مع أنه لا علاقة للخليجيين بالقرار، ولا أي دولة من دول الخليج الست تملك مقعدا في مجلس الأمن. وقبلها صرح مسؤولون إيرانيون بأنهم سيضربون الدول الخليجية في حال تعرضوا إلى اعتداء أميركي أو إسرائيلي. في مثل هذا المناخ المسموم، من الطبيعي أن يقول سياسي أو دبلوماسي عربي إن إيران النووية تمثل خطرا علينا. بروتوكوليا على الجانبين معا تجنب رمي الطماطم الفاسدة على بعضهما البعض، أو السماح للجميع برميه.

من ناحية سياسية، ما عبر عنه السفير يوسف ببلاغة وطلاقة هو صحيح أيضا. قال نحن في مشكلة حيال ما تفعله إيران اليوم في المنطقة، تخيلوا كيف ستفعل عندما تصبح دولة نووية؟ فعلا تخيلوا عقلية وممارسة إيران عندما تصبح نووية، وعندما تدرك أنه لن تستطيع دولة في العالم الدخول معها في حرب. وبالتالي فإن إحجام سياسيينا عن التعبير، وشرح حقيقة مخاوفهم وأفكارهم تجاه أخطر تهديد يواجه بلدانهم في مائة عام، هو الخطأ، وليس العكس.

وهذا يجيب على السؤال الثاني، فكلام السفير، إن كان مرفوضا بروتوكوليا، فهو صحيح سياسيا. نعم، للحظة واحدة تخيلوا إيران نووية. لن يضرب الإيرانيون إسرائيل، لأن الإسرائيليين سيدفنون إيران بمائة قنبلة نووية تمسحها من الخارطة، ويحتفظون في ترسانتهم ببقية المائتي قنبلة. ولن يضربوا أميركا، لأنها بعيدة جغرافيا، وهي قادرة على الرد بمائة قنبلة نووية، وتحتفظ ببقية الخمسة آلاف رأس نووي في ترسانتها. وإيران قد لا تضرب دول الخليج نوويا، لكنها ستسعى للهيمنة، وربما الاستيلاء على بعضها، مدركة أنه لن تتدخل دولة كبرى في العالم، طالما أنها محروسة نوويا. وبالتالي، ما المشكلة عندما يقول سفير خليجي إن ضرب إيران اليوم أرخص من التعايش معها نوويا غدا.

أخيرا، لست متحمسا للانجرار مع الإيرانيين في معارك كلامية، لكن المعارك موجودة من جانب واحد، أي هم من يرموننا بالطماطم الفاسدة دائما. وحديث السفير طماطم لها قيمة تثقيفية. فأغلبية الناس، بما فيهم كثير من مثقفينا، لا يفهمون إلا وجهة نظر واحدة في النزاع حول «نووية» إيران. دعوهم يسمعوا وجهة نظر أخرى هذه المرة.

[email protected]