برنامج عظيم!

TT

«فجأة» انفتح الحديث عن مخاطر وأهوال ومحاذير الابتعاث الدراسي للخارج بالنسبة للسعوديين، وهو إشارة للبرنامج التاريخي التي تقوم به السعودية لإرسال طلبتها من البنين والبنات إلى دول العالم للاستفادة من علوم وحضارات وثقافات الأمم. وهذا البرنامج الذي نال رضا واستحسانا وقبولا شعبيا غير مسبوق، وباتت السعودية تصدر طلبتها للخارج بقدر ابتعاثها للبترول.. هذا البرنامج يشمل شتى العلوم والمجالات، وإلى شتى الدول ليكتسب مجتمعها تنوعا وإنتاجا.

واليوم تظهر أصوات تحذر وتشكك في جدارة البرنامج والمخاطر التي سيجلبها العائدون على مجتمعاتهم. يحذرون من وقوع الطلبة في ممارسة فقه الأقليات في خارج ديارهم والعودة والاستمرار في تطبيقه في بلادهم. يحذرون من «كشف الوجه واليدين» للمرأة والرؤية الجديدة بالنسبة لمسألة الاختلاط. وهذه مسائل كنا نتمنى عدم زج الدين فيها، فكان الأجدر الاكتفاء بطرح الموضوع من وجهة نظر عادات وتقاليد مثلا أو إرث اجتماعي، لأن سير الدين وأعلامه توضح عدم دقة الكلام المذكور. فالمرأة كانت تشارك في جميع أوجه الحياة بلا استثناء، فقد مارست الحسبة والتجارة وحاربت وعالجت وعلمت واستشيرت.

الإمام الشافعي تلقى بعض علمه في مصر من السيدة نفيسة رضوان الله عليها كما هو معروف. وفي تاريخ الحرم المكي الشريف، عرف أن سيدة مكية كانت لديها حلقات علم في الحرم المكي نفسه منذ أكثر من مائة عام. وقبل كل هذا، أُمِرنا أن نأخذ نصف ديننا من السيدة عائشة رضي الله عنها بحسب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسفر والترحال لطلب العلم سنة وأمر نبوي لأصحابه، وقد قيل ذلك في أكثر من مناسبة، ولكن تقسيم العالم إلى دور إيمان ودور كفر هو المسألة التي ولدت الأفكار الغريبة، وولدت بعدها فتاوى وآراء تحذر وتحرم من السفر «إليهم» ومن الإحسان في معاملتهم وغير ذلك من الأساليب الخالية من الأدب المحمدي صلوات الله على صاحبه (وهو الإتيان بأمر لم يفعله النبي نفسه وهذا لعمري قمة التجرؤ وإساءة الأدب).

برنامج الابتعاث التعليمي هو أحد أهم إنجازات خادم الحرمين الشريفين بلا جدال، وهي مسألة ستستفيد منها السعودية لسنوات ليست بالقليلة، ومحاربته باسم «الدين» و«الفتوى» وفزاعة الآراء القديمة، أسلوب رخيص غير مجدٍ. كل المسائل التي «يحذرون» منها ويرفعون رايات الإنذار بسببها هي مسائل خلافية تتحمل آراء متنوعة ومختلفة. والعالم الإسلامي بأكمله وفي الكثير من مواقعه يشهد بذلك، فلا أحد يملك صك التحدث باسم الدين ولا وكالة حصرية على ذلك، ولكن حتما هناك من يرى في التغيير تهديدا له ولمنبره ولموقعه ولكلمته. وهناك من يخشى على نفسه من اكتشاف العامة «وجود» آراء أخرى تفسر وتؤول وتوضح الدين بشكل ميسر ومنفتح، بدلا من قالب واحد فقط ليس بصالح لكل الأمكنة وسائر الأزمنة.

مسؤولية تشجيع برنامج الابتعاث التعليمي تقع على الجميع لحصد الخير منه، والبناء عليه مطلوب بدلا من التشكيك والتحذير منه بشكل سطحي.

[email protected]