الإعلام والرأي العام العربي

TT

يبدو أن بعض القنوات الإعلامية المحسوبة على الإعلام العربي هي إعلام موجات عاطفية وشعورية فقاعية صارخة، فارغة من أي مضمون حقيقي، أو رسالة استراتيجية هادفة. وبالرغم من أنه ليس بالضرورة أن يخضع الإعلام لقوانين وأحكام العدالة وأسس الحيادية الفكرية، فإنه في الوقت نفسه لا يجوز أن يجنح إلى العدمية المعرفية، والتفرد بصناعة الجهل، بحيث يبدو أن الأمور حاليا في العالم العربي وصلت إلى درجة أنه لو لم يكن هنالك إعلام، ربما كانت الحالة أفضل. لأن الكثير من المتلقين لا يملكون منظومة فكرية، وهم صفحات بيضاء في انتظار التأثير الإعلامي، فيأتي التأثير الإعلامي التهييجي المغيب للعقل والمنطق والتحليل الموضوعي السليم، فتتشكل منظومة فكرية عند المتلقي، ومن ثم يعود هذا المتلقي إلى تلقي الوسيلة الإعلامية، لا، بل المشاركة في الحدث الإعلامي من خلال الاتصال والتفاعل مع الوسائل التكنولوجية الكثيرة، فتكتمل دائرة الجهل.

ولنضرب أحدث الأمثلة على ما نقول، انخراط بعض قنوات الإعلام العربي في الترويج الزائد لتركيا الأردوغانية، وتجاهل أو نسيان أن هناك في تركيا مشكلة كبيرة تتقارب في الكثير من جوانبها مع قضية من الجنس نفسه للقضية التي من أجلها يتعاطفون معها.

فإن كانوا ناصرين للحق والعدل تجاه بني جلدتهم.. فلماذا تتغير الآية، وتنقلب، عندما يتعلق الأمر بالآخرين، ولا يكتفي هؤلاء المروجون بهذا، بل يطلقون الأسماء والألقاب على رئيس الحكومة التركية، الذي يجيد الضرب على وتر نقطة ضعف العرب، وهي «غزة».

مشهد إعلامي يزرع الجهل ليحصد الدمار، مشهد يخلط الأمور بعضها ببعض، حتى يتوه فيه ذو العقل. فما بالكم بهؤلاء السذج والبسطاء الذين لم يقرأوا في حياتهم تاريخ تركيا، أو أسباب المشكلة الكردية في تركيا؟ وللأسف الشديد، فإن هناك الكثير من الكتاب والإعلاميين ينخرطون (من حيث يدرون أو لا يدرون) في موجة اتهام الكرد بافتعال الأحداث الأخيرة مع تركيا، بسبب تعاطفها مع القضية الفلسطينية، منطلقين من نظرية المؤامرة، التي استُهلكت حتى باتت أسطوانة مشروخة.

هؤلاء يتجاهلون أن دعوات للحوار أطلقت عشرات المرات من جانب كرد تركيا تجاه الحكومات التركية المتعاقبة، وتم تجاهلها، واستعيض عنها بالحروب والويلات والمآسي، ويتجاهلون أن عشرين مليون كردي في تركيا غير معترَف بوجودهم كشعب على أرضه التاريخية. ويتجاهلون أن الكرد قد قدموا دماء زكية في سبيل فلسطين، وضحى الكثير منهم بأرواحهم، عندما كانوا يقاومون اجتياح لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي عام 1982، في قلعة الشقيف (وصلاح الدين الأيوبي وتحريره للقدس)، والفلسطينيون يعرفون ذلك جيدا.

إذن لماذا كل هذا التجاهل، وهذا الاستهلاك الإعلامي، والاستخفاف بعقول مشاهدين لا يملكون من الوعي ما يستطيعون به تحليل الأحداث بربط بعضها ببعض، وفك عواملها وحيثياتها وجوانبها كافة.

* كاتب كردي من سورية