النبيل في مواجهة القبيح

TT

تمضي إسرائيل قدما في طريقها لتظهر للعالم أسوأ جانب لديها من خلال عمليات هدم المنازل الفلسطينية وبسماحها للمستوطنين الجشعين بسرقة الأرض الفلسطينية. ومع ذلك، توجد إسرائيل أخرى، وهي تلك التي أعجب بها إلى حد بعيد. إنها الدولة الديمقراطية التي تسمح بعدد كبير جدا من الآراء أكثر مما تسمح به أميركا، وهي قلعة المجتمع المدني، والمكان الذي تعلو داخله بعض أشجع الأصوات وأكثرها فاعلية لصالح الفلسطينيين المضطهدين، وهي أصوات حاخامات إسرائيليين، مثل إريك أشرمان، المدير التنفيذي لمؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان».

نشأ الحاخام أشرمان، وهو رجل طويل نحيل في عينيه مسحة حزن يبلغ من العمر 50 عاما، في إيري بولاية بنسلفانيا. وسقط في حب إسرائيل خلال زيارة قصيرة بين مدرسة عليا وجامعة، وانتقل للعيش داخل إسرائيل عام 1994. وداخل مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان»، يرأس أشرمان طاقما عدد أفراده 20 والمئات من المتطوعين، ويعملون في بعض الأحيان كدرع بشرية من أجل حماية الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك يعني تعرضهم للضرب أو الاعتقال.

وقد شاهدت الجانب القبيح لإسرائيل في مقابل الجانب النبيل، عندما قمت مع أشرمان بزيارة منطقة ريفية شمال الضفة الغربية حيث كان مستوطنون يهود يستولون على أراض يقول مزارعون فلسطينيون إنها ملك لهم. وقال محمد مقبل، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 71 عاما من قرية قريوت، مشيرا إلى حقول قال إن المستوطنين سرقوها: «إذا حاولنا الدخول إلى أرضنا، سيكون المستوطنون في انتظارنا، وسنتعرض للضرب». وأشار إلى أنه في العام الماضي نُقل إلى المستشفى بعد أن كسرت أحد أضلعه عندما هاجمه مستوطنون بينما كان يجمع الزيتون. وقد ساعدت مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» الفلسطينيين على الحصول على بعض الأراضي من خلال رفع دعاوى قضائية داخل المحاكم الإسرائيلية. ويقوم الحاخام أشرمان ونشطاء يهود آخرون باصطحاب هؤلاء المزارعين لتوفير الحماية لهم. ولا يزال المستوطنون ينفذون هجمات، ولكن تزيد احتمالية تدخل الجنود عندما يتعرض حاخامات للضرب.

وبينما كان مقبل والحاخام أشرمان يشرحان هذا لي، جاءت سيارة أحد المستوطنين لمواجهتنا. وبعد ذلك جاءت سيارة أخرى. وقام المستوطنون بتصويرنا. وقمنا بتصويرهم. وسألتهم هل يوافقون على أن أجري معهم مقابلة، ولكنهم رفضوا الرد على أسئلتي. وقال الحاخام أشرمان: «إنهم يحاولون ترويعنا وحسب».

وكما هي الحال مع حركة الحقوق المدنية داخل أميركا، يصبح النشطاء هنا أهدافا. فقد قام شباب فلسطينيون بإلقاء الحجارة على سيارة أشرمان. وتعرض للاعتقال والضرب من قبل القوات الأمنية والمستوطنين على حد سواء. (وأود الإشارة إلى أن سيارته عبارة عن سيارة قديمة، ولذا يصعب عليه الانطلاق بها سريعا). ولكن، تظهر عمليات الضرب المشتركة أفكارا نمطية عن اليهود لدى الفلسطينيين. ويقول إنه في إحدى المرات جاءته مكالمة عن طفل فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاما كان يتعرض للضرب على أيدي جنود إسرائيليين، وهرع إلى المكان. وبعد ذلك، أُطلق عليه الغاز المسيل للدموع وتعرّض للضرب، واعتقله الجنود. وقال الصبي بعد ذلك متعجبا إن غريبا يهوديا طويلا هرع إلى إنقاذه، وخلال اعتقاله، هدأ من روعه وقال له: «لا تخف».

وتتجاوز «إسرائيل الأخرى» مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان»، حيث تأتي أشد الانتقادات لمعاملة إسرائيل السيئة للفلسطينيين من مؤسسات حقوقية إسرائيلية. ويأتي أفضل رد على الأسطورة المؤسسة لإسرائيل من مؤرخين إسرائيليين. وتأتي أشد الانتقادات للمزاعم التاريخية الإسرائيلية من علماء آثار إسرائيليين (وتوفر مؤسسة أثرية مثل «إميك شافاه» جولات تاريخية بديلة حتى يتسنى للزوار الحصول على صورة أشمل). وتعد إسرائيل الأكثر نبلا نموذجا للعالم، حيث إنها ترفض التراجع عن قيمها حتى في لحظات الخوف والضغط. وداخل منطقة الشرق الأوسط، يكون الرجال الأكثر تدينا في بعض الأحيان الأبغض للنفس. ومن خلال تحدي التطرف الديني، تقوم مؤسسة «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» بإعادة تقديم القيم الإسرائيلية واليهودية. وتحظى «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» بدعم قوي من يهود أميركا الشمالية ويساهم بعض الأطفال الأميركيين حسب الأسلوب الصهيوني التقليدي - ازرع شجرة من أجل إسرائيل-، بإرسال المال حتى يتمكن الحاخامات إعادة زرع شجرة زيتون لفلسطيني أفسد مستوطنون مزرعته.

ولا يحظى الحاخام أشرمان بإعجاب الجميع، حيث تصله تهديدات بالقتل، وينظر إليه إسرائيليون متشددون على أنه خائن ساذج. ويرد على ذلك بالتأكيد بأنه يناضل من أجل المحافظة على قيمه الأخلاقية والدينية. ويقول أيضا إنه من خلال بناء الجسور بين الفلسطينيين واليهود يمكن لإسرائيل أن تصبح مكانا آمنا لأطفاله. ويقول: «على المدى الطويل، سيمكننا العيش هنا معا، أو سنموت معا». ويضيف: «عندما تصلنا التهديدات بالقتل أو يقول الناس إننا خائنون أو معادون لإسرائيل، أقول لنفسي: من الذي يبذل أكثر للحفاظ على إسرائيل؟ الذين يهدمون المنازل ويقتلعون الأشجار أم الذين يعيدون بناء المنازل ويعيدون غرس الأشجار؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»