كلفة الإلحاد!

TT

من المشكلات التي قلما تخطر على بال الناس، مشكلة انتشار الإلحاد. وهي بدورها ترتبط بمشكلة الشيخوخة. ففي هذه الأيام ونتيجة التقدم العلمي والطبي أصبح معدل عمر الإنسان في الدول المتطورة يتجاوز الثمانين عاما. كثير منهم يتجاوزون المائة. بالطبع ترتبط الشيخوخة بالأمراض والعلل والعجز. ولسوء الحظ أن العلماء لم يستطيعوا التغلب على الأمراض الخبيثة كالسرطان والقلاب والجلطة والشلل والكآبة وفقدان الذاكرة ونحوها. يتطلب كل ذلك خدمات مركزة يومية للعناية بهذه الشريحة الكبيرة من البشر.

في سابق الزمن كان يضطلع بهذه الخدمات الأهل وذوو القربى والمحسنون. يرعى الأولاد أبويهم وجدهم وجدتهم. نعتبر ذلك جزءا من واجباتنا الدينية. ولكن الشباب والناس عموما الآن يهربون من هذه الخدمات بفعل شيوع الإلحاد والإيمان بالمتعة والاستمتاع بهذه الحياة الواحدة التي بأيديهم. لا يريدون تعكيرها بالسهر على عجوز مشلولة في البيت. أخذت الكثير من النساء في الغرب يهجرن أزواجهن المعتلين ويسلمنهم للدولة لتتولى رعايتهم.

كانت هناك أيضا مؤسسات دينية خيرية تتولى هذه المهمات، كالأديرة عند المسيحيين. كانت فرق الراهبات يقمن بدور الممرضات. وكلها مجانا وقربى لله عز وجل. يتحملن أقسى المهمات كجزء من الإيمان.

من الثابت أيضا أن الإيمان بالله واليوم الآخر يساعد المريض والعاجز والمقعد والمكتئب في تحمل بلواه والصبر على المكروه. يقضي وقته في الصلوات والعبادة والتسبيح.

كل هذه الحلول التاريخية والإنسانية أخذت تنمحي وتزول من الميدان بفعل الإلحاد وتلاشي الإيمان الديني. ليس من شأن الملحد أن يقضي وقته في الاستماع لتلاوة القرآن الكريم أو التسبيح بأسماء الله الحسنى. الارتفاع المتواصل في نسبة حوادث الانتحار والإصابة بالأمراض النفسية والعقلية نتيجة من نتائج الشك في الدين. وكله له تكاليفه المفرطة. وراحت الكنيسة تغلق أديرتها وتبيع أبنيتها. قلما تصادف راهبة في هذه الأيام في الشارع. حاول أحد الأديرة الإعلان عن حاجته إلى راهبات يكرسن حياتهن لله وخدمة المسيح. لم تجب عن الإعلان غير فتاة واحدة.

انتقلت الآن المسؤولية عن توفير هذه الخدمات المتزايدة إلى الدولة. وهذه الخدمات خدمات مكلفة. فالراهبة التي كانت تقوم بخدمة مريض بالسرطان طوال الليل كانت تفعل ذلك مجانا. ولكننا لا ننتظر من فتاة لا دينية أن تفعل ذلك بدلا من الذهاب إلى السينما أو المرقص أو اللقاء بحبيبها من دون أجرة عالية جدا.

هكذا أصبحت الرعاية الصحية والاجتماعية والسهر على المسنين والمقعدين والمختلين تكلف الدول الآن الملايين. وينتف المسؤولون الغربيون الآن شعرهم في محاولة الحد من نفقات هذه الخدمات كجزء من سياسة التقشف الحالية. كيف يمكنهم تقليص ساعات عمل ممرضة مكلفة برعاية مريض في غرفة العناية الفائقة، أو تخفيض أجور حارس في مستشفى الأمراض العقلية مكلف برعاية شلة من المبتلين بالسكيزوفرينيا؟!

تجد الحكومات صعوبة كبرى في تقليص تكاليف هذا القطاع بالنظر إلى حساسية الموضوع وجانبه الإنساني. ربما نحتاج إلى عالم اقتصادي يحسب ويقول لنا: هل الدولة أرخص، أم الإيمان بالله أرخص؟!