الحقيقة.. بين الظلال وملح الصودا

TT

أحاول بقدر الإمكان أن أكتب عن وقائع حقيقية، إلا من بعض (اللمم) أحيانا، وذلك عندما يحذف (الدركسون) عندي، وتهفني نفسي على ممارسة بعض (الكذيبات) الصغيرة الناصعة البياض، التي لا تضر أحدا، لكنها تضفي على الكلام شيئا من الظلال، وترش عليه قليلا من ملح الصودا، وإليكم اليوم واقعتان حقيقيتان لا دخل للظلال ولا للملح فيهما.

الأولى تقول: إن لصا اسمه (صموئيل أوجالو)، قد سطا على محل مجوهرات في ميامي، واستطاع أن ينفذ بحصيلته، التي كانت عبارة عن مجموعة من حجارة الماس عددها ما يقارب مائة وستين ماسة.. وخبأها في حذاء قديم في منزله.

وخوفا من فضيحة أمره.. خصوصا أن خبر السرقة قد انتشر وأبلغت جميع المحلات والجهات صاحبة الشأن بذلك.. فقد قرر (أخونا) عدم التسرع والتريث، إلى أن يمر وقت طويل، وتبرد حرارة القضية.

وزيادة منه في ضبط الأعصاب وراحة البال.. أخذ له إجازة على ضفاف إحدى البحيرات، مطمئنا إلى أن كنزه الذي سرقه في (حرز) مكين.

وفي أثناء غيابه.. أتى مجموعة ينتمون إلى إحدى الجمعيات الخيرية.. وطرقوا باب منزل صموئيل.. ففتح لهم والده العجوز الطيب.. وعندما عرف أنهم يريدون المساعدة في أي شيء لجمعيتهم، جمع لهم المقتنيات والملابس التي يعتقد أنهم ليسوا في حاجة لها.. ومن ضمنها الحذاء القديم لابنه، الذي خبأ به الماسات.

طبعا اكتُشفت السرقة.. وتبرع محل المجوهرات بالمجوهرات إلى الجمعية الخيرية.. وقبض على اللص وأودع السجن.. وأصبح والده عضو شرف بالجمعية بعد أن منحه عمدة المدينة وساما، تقديرا لكرمه غير المتوقع.

هذا اللص يستحق ما حصل له، لكن ما رأيكم بالواقعة الحقيقية الثانية التي حدثني بها مسؤول في أحد البنوك الخليجية، حيث يقول:

«لاحظنا أن حسابا لأحد العملاء ظل طوال أربعة أعوام ثابتا لا يتغير. حاولنا الاتصال به من دون جدوى، وبعد البحث والتحري استطعنا أن نصل إلى سكنه، وإذا به (صندقة) أشبه ما تكون بالخرابة، وفتحت الباب لنا امرأة عجوز ومعها أطفال عليهم أسمال ثياب بالية، وسألناها عن (فلان)، وقالت لنا: إنه ابني لكنه توفي قبل أربعة أعوام، وأظهرت لنا شهادة وفاته.

وعندما أخبرناها بأن لديه حسابا في البنك مقداره (60 مليون ريال) صعقت وكاد يغمى عليها.

وبدلا من أن تترحم وتدعو له، إذا بها ترفع كفيها للسماء وتدعو عليه، ثم أخذت تبكي وتقول: حسبي الله عليه.. كيف كان لديه كل هذا المال وهو الذي تركنا طوال هذه الأعوام نعيش على العوز وعلى صدقات الناس؟!

وكلما حاولنا أن نهدئ عليها، كانت تزداد في نحيبها وشكواها».

عندها سألته بكل براءة: هل لديه بنت تقبل الزواج؟!

فرد علي غاضبا: «أنا في إيه وأنت في إيه، يعني هذا هو اللي يهمك؟! يا شيخ استحي على نفسك».

[email protected]