«داتا غانج بخش».. وطالبان

TT

يعد ضريح داتا غانج بخش في لاهور مركزا روحانيا في المدينة. السبت الموافق 2 يوليو (تموز)، أقدم اثنان أو ثلاثة أو ربما أكثر من التفجيريين الانتحاريين على تفجير الضريح، مما أسفر عن مقتل 43 شخصا وإصابة 175 آخرين.

في الواقع، أعرف داتا غانج بخش وضريحه، فعندما أقمت في باكستان لمدة عام حيث توليت منصب المستشار الثقافي لإيران هناك، حرصت على زيارة الضريح مرة أسبوعيا. كان الأمر أشبه بهواية بالنسبة لي، حيث كنت أدقق النظر في الزائرين الذين انهمكوا في قراءة القرآن الكريم أو كانوا يتطلعون نحو الضريح ويتلون أبياتا شعرية نقشت على الجدران قرب السقف. خلال زيارتي الأولى للضريح، تعلقت عيناي بالسقف، حيث كانت أشعة الشمس تتراقص على نحو ساحر منعكسة على المرمر الأبيض.

وحمل السقف أبيات شعر صوفية، ويبدو لي أن التصوف الإسلامي يحمل السبيل الأخرى والنظرية الأخرى لعبادة الله. إنه سبيل القلوب. ومن المهم للغاية أن نأخذ في اعتبارنا حقيقة أن انتشار الإسلام في شبه القارة الهندية التي تضم حاليا بجانب الهند كلا من باكستان وبنغلاديش، جاء مرتبطا بمشايخ صوفيين عظام، مثل علي بن عثمان هوجفيري (ويعرف باسم داتا غانج بخش، حيث يعني لفظ «داتا» معلم عظيم، ويعني «غانج بخش» واهب الكنز) وتشاشتي وآخرين. وشكل هؤلاء العلماء العظام، ولا يزالون حتى يومنا هذا، أعمدة التصوف الإسلامي بباكستان والهند وبنغلاديش. وفي وصفه لحضرة علي بن عثمان هوجفيري، قال العلامة إقبال لاهوري، الشاعر الوطني العظيم للمسلمين بشبه القارة الهندية: «لقد استعادت أرض البنجاب مجدها بأنفاسه وأشرق فجرنا بنور مشاعره الفياضة».

وعليه، جرت العادة على زيارة شيوخ الصوفية العظام لجنوب آسيا بهدف زيارة ضريح حضرة علي عثمان هوجفيري وخواجة معين الدين تشاشتي الذي قدم إلى لاهور أولا لتقديم تحياته واحتراماته لداتا غانج بخش لدى وصوله إلى شبه القارة الهندية حيث قضى بعض الوقت في التأمل والصلاة قبل الوصول لمرحلة الكشف.

من جانبهم، يستخدم الباكستانيون لفظ «داربار» في الإشارة إلى ضريح داتا غانج بخش، وهو لفظ فارسي - أردي يعني البلاط، لكنه في هذه الحالة بلاط روحاني. وينتمي البلاط الملكي إلى الملك ويمثل قلب السلطة السياسية، وكذلك الحال مع بلاط داتا غانج بخش الذي يمثل قلب السلطة الروحية. على سبيل المثال، هناك مقولة حول أن قياصرة روسيا اجتمعوا في أرض روسيا لكن دوستويفسكي هو الذي وحد روح روسيا. ولهذا نجد أن جميع قياصرة روسيا رحلوا إلى الأبد، بينما بقي دوستويفسكي حيا وسيبقى حيا إلى الأبد. وهنا يكمن الاختلاف الجوهري بين الرماد والقلب.

الآن، نواجه تعارضا حادا بين توجهين في أوساط المسلمين، أو قراءتين للإسلام، فهناك مسلم توجه إلى الضريح للصلاة وقراءة القرآن والذكر، بينما توجه آخر حاملا عبوات ناسفة ليفجر نفسه ويقتل إخوانه وأخواته، بينهم أطفال أبرياء.

فما معنى ذلك النمط من الإسلام، إن كان له معنى! ما معنى أن يقتل مسلم آخرين من دون أي سابق معرفة له بهم؟ ولا يدري من أين جاؤوا إلى الضريح. وبأي ذنب قتلهم؟

منذ أكثر من ثلاثين عاما ماضية، تحديدا في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، استولى بعض الإرهابيين الذين خضعوا لعملية غسل مخ على المسجد الحرام في مكة. وكان ما قاموا به لا يعدو هجوما مسلحا وعملية استيلاء من قبل منشقين إسلاميين أصوليين مسلحين على المسجد الحرام. وأعلن المتمردون أن المهدي المنتظر جاء في صورة زعيمهم عبد الله القحطاني ودعوا المسلمين لطاعته.

وجاءت هذه العملية بمثابة صدمة للعالم المسلم مع حضور مئات من زوار المسجد الذين جرى احتجاز بعضهم كرهائن، وأسفر الحادث عن مقتل العشرات من المسلحين وقوات الأمن والرهائن الذين حوصروا في تبادل إطلاق النار في مساعي الجانبين للسيطرة على الموقع.

بعد ذلك الحادث، واجهنا أسوأ الحوادث في التاريخ الإسلامي، وهي قتل مصلين أثناء الصلاة، بما في ذلك مذبحة الفلسطينيين داخل الحرم الإبراهيمي. في يوم الجمعة 15 رمضان، الموافق 25 فبراير (شباط) 1994، رافقت قوات من الجيش الإسرائيلي مستوطنين إسرائيليين وأردوا أكثر من 30 مصليا بإطلاق النار عليهم أثناء صلاة الفجر داخل الحرم الإبراهيمي.

من جانبه، حاول إسرائيل شاحاك، الفيلسوف الإسرائيلي، إيجاد وتبرير السبب وراء مذبحة الحرم الإبراهيمي، حيث كتب يقول إن مذبحة حبرون (الاسم اليهودي للحرم الإبراهيمي) تحمل وراءها آيديولوجية.

ولا يمكن تفسير التعاطف الذي حظي به باروخ غولدشتاين - قاتل المصلين، في أوساط حركة «غوش إمونيم» التي يفوق نفوذها نفوذ «الكاهانية» - سوى بوجود آيديولوجية مشتركة بين الجانبين. ومع ذلك، تربط علاقة صداقة قوية بين «غوش إمونيم» ورابين ولديها نفوذ قوي داخل الدوائر الإسرائيلية والشتات اليهودي.

وتزعم حركة «غوش إمونيم» قرب قدوم المسيح الذي سيكون إذنا بحلول موعد انتصار اليهود، بمساعدة الرب، على الوثنيين. وبالتالي يفسر ذوو المعرفة كل التطورات السياسية باعتبارها أحداث مقدرة، إما للإسراع بهذه النهاية أو لتأخيرها. ويمكن أن ترجئ خطايا اليهود، التي من أعظمها عدم إيمانهم بآيديولوجية «غوش إمونيم»، إنجاز الوعد المقدر لليهود بالنصر، ولكن لن تغير منه. فالحربان العالميتان والهولوكوست وكل الأحداث المفجعة التي وقعت لليهود في التاريخ الحديث تمثل نماذج للعقاب الذي يهدف إلى تطهير اليهود من هذه الخطايا. ويمكن أن يكون لهذه التفسيرات تفاصيل كثيرة ودقيقة.

ولكني أود القول، لا مناص من أن نعترف بجذور هذا الإرهاب بين المسلمين. كيف يبرر الانتحاريون عملهم هذا؟ ما هو السبب الرئيسي الذي يجعلهم يفجرون أنفسهم؟ إنها ليست مشكلة سهلة. ولا يفيد إدانة الإرهابيين ووصفهم بالمجانين والجهال. إنه لن يثمر.

وقد كتب الصحافي الباكستاني علي مسعود سعيد مقالا في صحيفة «ديلي جانغ»، وهي الصحيفة الأردية الأوسع انتشارا في باكستان، تحت عنوان «هجوم شيطاني أم هجوم من أسوأ المخلوقات!».

وأنا أتفق معه فيما قال ولكني أتساءل عن أسباب هذا الهجوم.

ومن ناحية أخرى، عقد رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني محادثات مع زعيم حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف لمناقشة الوضع في باكستان بعد هجمات الخميس الانتحارية، وذلك من أجل الترتيب لعقد مؤتمر في باكستان الأسبوع المقبل! يبدو لي أنه سيكون من الصعب بمكان وضع استراتيجية لمحاربة الإرهاب في باكستان من دون الأخذ في الاعتبار الوضع داخل أفغانستان.