تمويل الإرهاب.. الإسرائيلي

TT

وسط الحديث غير المتوقف عن عملية السلام وتعثرها بين إسرائيل والفلسطينيين من جهة والحرب على الإرهاب من جهة أخرى، ومحاولة تصيد أهم داعميه ومموليه، يتم التغاضي عن موضوع حيوي ومهم له علاقة بليغة بالمسألتين المذكورتين. والمقصود هنا هو مصادر تمويل مستوطني ومستوطنات إسرائيل غير الشرعية والمدججة بالميليشيات المسلحة التي تقتل الفلسطينيين بلا رادع ولا مانع وبدم بارد ودون عقاب.

وحين التقصي والتمعن يجد المتابع أن أهم وأشد الداعمين لهذه المستوطنات هم الجماعات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة التي تعتقد - بإيمان كامل - بضرورة دعم وتمكين اليهود على أرضهم؛ وذلك لتعجيل «عودة» المسيح الثانية بحسب اعتقادهم. وهناك الكثير من الجمعيات الخيرية التابعة للمنظمات المسيحية الصهيونية التي تستحث مريديها للذهاب إلى الأراضي المحتلة للعمل والجيرة مع اليهود لمساعدتهم على إحياء أرضهم والحفاظ عليها في مواجهة «الأعداء». وهذه الجمعيات تستغل وجود نظام أميركي داعم ولين في حق جمعيات الخير، فتعفى كل التبرعات من الضرائب، حتى لو كانت هذه التبرعات تحول للخارج لتصرف على معدات ومواد بناء وأسلحة وعتاد، لتمكين المستوطنين من تكريس احتلالهم لأرض مغتصبة تخالف القوانين والمواثيق والأعراف والقرارات الدولية.

إنه تمويل حقيقي وفعلي للإرهاب بوجه قبيح. لقد تمكنت أكثر من 40 مجموعة أميركية رسمية من تجميع أكثر من 200 مليون دولار غير خاضعة للضرائب «كهدايا» لمستوطنات يهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية في السنوات العشر الأخيرة. الأموال «ظاهريا» تذهب بشكل أساسي للمعابد والمدارس ومراكز الترفيه، ولكنها استخدمت للبناء والإسكان والتشييد والمقاولات والإعمار، وكذلك كلاب للحراسة وسترات مضادة للرصاص ونواظير للبنادق وعربات للمراقبة، وهي جميعا أوجه صرف أقل ما يقال عنها إنها مثيرة للجدل ومشبوهة وفي حكم الممنوعة والمخالفة للأنظمة الدولية، لما فيها من تكريس ودعم للاحتلال الغاشم للأرض المغتصبة.

وبينما يرتفع الصوت المعارض من الإدارة الأميركية ضد سياسات إسرائيل الاستيطانية المحمومة، وتزداد نبرة النقد الرسمي لها، تغفل الإدارة الأميركية توجيه أي نوع من النقد والتحذير لماكينة التحريض والدعم والتشجيع والضغط السياسي الموتور، وجماعات اليمين المسيحي المتصهينين الذين باتوا اليوم أهم داعم وحام للكيان الإسرائيلي، بل هم في حالات كثيرة أكثر «إسرائيلية» من اليمين الإسرائيلي نفسه!

ولعل أهم وجوه هذا التطرف قس أميركي يفتخر بأنه يسافر لإسرائيل أكثر من ست مرات سنويا، وتمكن من أن يجمع عشرات الملايين من التبرعات، واستطاع أن يجذب في حملته عددا من مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة، ولا يتردد أحدهم برفع الصوت أمام جمهوره والقول «إن إسرائيل موجودة اليوم بناء على وعد إلهي لإبراهيم وإسحاق ويعقوب من 3500 عام، ولا تملك دول العالم الحق في توجيه الإسرائيليين ماذا يمكنهم عمله في مدينة القدس» إنها الكذبة الكبرى المدعومة بالأساطير والأكاذيب والمال. هذا القس تمكن وحده من جمع 58 مليون دولار العام الماضي فقط من مبيعات لأسطوانات «دي في دي»، وكتب كلها تتحدث عن أهمية إسرائيل بالنسبة للنبوءات التوراتية. وبالإضافة للكثير من الشخصيات التي تتجاوز النظام الخيري والضريبي لتمرر دعمها العقائدي لصالح ميليشيات المستوطنين الإرهابيين على الأراضي المحتلة، انضم لهذه الكوكبة شخصيات مثيرة للجدل استغلت نفس الثغرة النظامية لترسل عبر مؤسستها الخيرية غير الخاضعة للضريبة أموالا لـ«زميل» دراسة صادف أنه مستوطن غير نظامي هو الآخر، بلغت أكثر من 140 ألف دولار. وبررت التحويلات أنها لأغراض تعليمية ورياضية، ولكن تبين لاحقا أن هذه الأموال كانت لتمويل ميليشيات في مستوطنة بيطار أليت، وتشير الوثائق التي تدين تلك الشخصيات أنها طلبت من «زميل الدراسة» استخدام فكرة الدراسة والرياضة كمشاريع ظاهرية لتكون غطاء مناسبا بعد أن اشتكى محاسبه من أن تسجيل مصاريف لشراء أدوات قنص لن تكون مقنعة إذا ما تم قيدها في السجل المحاسبي!

إنه تمويل للإرهاب واضح وصريح. طبعا لن يتم محاسبة إسرائيل عليه تماما، كما لم يتم محاسبة برنامجها النووي المفضوح، وتماما كما لم يتم محاسبتها على احتلال وسرقة أراضي الغير وعلى عمليات الاغتيال التي تقوم بها في حق الأبرياء باستمرار. دعم إسرائيل والكيل بمكيالين هو رأس المشكلة في الشرق الأوسط.

[email protected]