الحدود بلا يونيفيل

TT

هذا الأسبوع يصادف مرور أربع سنوات على حرب لبنان، بين إسرائيل وحزب الله، ترافق الذكرى أحداث صغيرة كثيرة، تنبش الخوف. حادثة تسلل شاب قص «شبك» سور مطار بيروت، ودخل صندوق عجلات طائرة سعودية، أثارت السؤال: كيف.. وليس لماذا؟ فالأرجح أنه لا توجد في الحادثة شبهة إرهابية، لكن السؤال، الذي أصاب مؤسسات الأمن الجوي الدولية بالقلق، كيف استطاع فرد بمقص حديد أن يدخل ساحة المطار، ويصل إلى طائرة، ويدخل في جوفها، دون أن تلحظه أجهزة الأمن الكثيرة في المطار؟

وفي الوقت نفسه، أثار ركاب دراجات نارية ضجة، أدت إلى انعقاد مجلس الأمن الدولي، عندما قاموا بمطاردة قوات اليونيفيل التي تحرس الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ركاب الدراجات من المحسوبين على حزب الله، وإسرائيل قالت إنها من دل القوات الدولية على قرى، حوَّلها حزب الله إلى مناطق تسليح عسكرية.

وهنا لا تمكن قراءة تقليص نشاط القوات الدولية، لو صار، إلا في إطار واحد، الاستعداد لحرب جديدة. وفي الوقت نفسه، تلقفت إسرائيل أزمة اليونيفيل، فكشفت عن بعض معلوماتها وخرائطها، متهمة حزب الله بأنه حوَّل مائة وستين قرية في الجنوب إلى مستودعات أسلحة ومراكز قيادة عسكرية. ومن باب التحذير أو التخويف، قال الإسرائيليون إنهم ينوون تدمير هذه القرى في حال اندلاع الحرب. كل هذا يجري في ظل شائعات تدور منذ شهرين عن استعداد المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهمة اغتيال الرئيس اللبناني، رفيق الحريري، إلى حزب الله، وليس إلى سورية أو «القاعدة».

أربع سنوات على تلك الحرب المدمرة، لا بد أن تعقبها حرب أخرى، ولا أقولها نقلا عن معلومة، بل بسبب تزايد التسلح، وتزايد التوتر السياسي الإقليمي. ولن يمنع الحرب هذا العام أو الذي يليه إلا إذا حدث تطور سياسي على طاولة المفاوضات، في مشروع السلام العربي الإسرائيلي الشامل، أو تطور عسكري على جبهة أخرى بعيدة، يؤدي إلى تحييد القوى المتواجهة على الأرض اللبنانية.

وكلنا نعرف أن حزب الله يعتبر نفسه منتصرا في الحرب الماضية، مشيرا إلى أنه ضاعف صواريخه، وعدد مقاتليه، وبات اليوم أقوى مما مضى. وإسرائيل تقول إنها كسبت الحرب، بدليل أنها عاشت بفضلها أهدأ أربع سنوات في تاريخ اشتباكاتها مع لبنان.

لكن الطرفين، وإن اختلفا في تقييم المعركة الماضية، يتفقان على أن المعركة الآتية لو نشبت ستكون أكبر. حزب الله يقول إنه يملك قدرات أضخم، ستمكنه من أعظم انتصار يصل إلى عمق إسرائيل، والإسرائيليون يقولون إنهم مستعدون اليوم للحرب كما لم يستعدوا في مثله من قبل، وينوون تدمير مئات القرى الجنوبية هذه المرة، مثلما فعلوا في المرة الماضية بالضاحية الجنوبية في بيروت.

وبعيدا عن صرخات الوعيد والمفاخرة بالاستعداد للحرب، فإن واجب القيادة اللبنانية السياسية عدم السماح للأمور بالتطور السلبي نحو القتال. فقوات اليونيفيل فعليا هي لصالح لبنان لا إسرائيل. وجودها ونشاطها وشهادتها تحمي لبنان؛ لأنها المرجع الدولي الوحيد والفاصل بين الحرب والسلم. لنتذكر أن كارثة 67 على مصر بدأت عمليا بسبب قرار متهور من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما طلب من الأمم المتحدة سحب القوات اليوغوسلافية وبقية القوات الدولية من الحدود مع غزة وشرم الشيخ، مما سهل على إسرائيل عدوانها الساحق، بعد أقل من ثلاثة أسابيع.

في الساحة الكثير مما يدفع نحو الاقتتال، أوله التوتر المتصاعد إقليميا. والثاني التسلح المتزايد، وإسرائيل تقول صراحة إنها من سيبدأ الحرب استباقا، لتفريغ حزب الله من قدراته الهجومية المتنامية. وهنا يأتي دور القيادة السياسية اللبنانية، التي أحسنت بزيادة قواتها على الحدود، وسارعت لطمأنة اليونيفيل.

[email protected]