صرف اعتباطي وتصرف عبيط

TT

المصادفة، التي يمكن أن تكون أحيانا أسوأ من الميعاد، جمعت بين لبنانيتين في مواجهة الموضوعية والديمقراطية في أميركا. فقبل أن ننسى ماذا حدث لعميدة المراسلين في البيت الأبيض، هيلين توماس، أصدرت «سي إن إن» قرارا بصرف الصحافية أوكتافيا نصر، التي تعمل مع المحطة منذ بداياتها.

السبابة أن أوكتافيا نصر كتبت على أحد المواقع في رثاء المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وموقفه من قضايا المرأة. وبين تلك المواقف فتوى في تحريم «جرائم الشرف»، وفتوى في تحريم قتل المدنيين في المغرب والسعودية على أيدي الإرهاب، وفتوى في تحريم الفتنة المذهبية، وما إلى ذلك.

أنشئت «سي إن إن»، لكي تكون صوت أميركا وصورتها حول العالم. فإذا أرادت، مثلا، نشر الديمقراطية في العراق أو في مضارب أفغانستان الجبلية، تمهد «سي إن إن» لذلك برسائل حنان من ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. وإذا أرادت إقامة النظام البرلماني في تورا بورا، تتولى «سي إن إن» تصوير عمليات القصف الآلية إلى ذلك.

أولئك الذين لم يقتنعوا بعد كل هذه السنوات بموضوعية «سي إن إن»، أعطتهم البرهان القاطع بصرف أوكتافيا نصر، ليس لأنها بثت خبرا أو رأيا، على شاشتها بل لأنها أعطت رأيها على موقع آخر.

ثمة ذريعة جاهزة، وهي أن المرجع الراحل ينتمي إلى حزب الله، الذي يعتبره القانون الأميركي حزبا إرهابيا. وهذه طبعا كذبة كبرى. لأن «سي إن إن» عندما تغطي الأحداث والمعارك لا يمكن أن تحجب فريقا من أفرقاء الصراع. وقد قيل على شاشتها وفي برامجها عن أميركا وإسرائيل، ما لم يرد في الأسطر القليلة التي كتبتها أوكتافيا نصر، باعتبارها مهاجرة من لبنان، لها رأي ومواقف من رجاله ومن أحداثه. وهذا بالضبط ما مُنعت من قوله وما عوقبت عليه.

هل أُعطيت، في بلاد الديمقراطية وفي نافذتها الأميركية (الديمقراطية) على العالم، حق الشرح أو الاعتراض أو الاستئناف؟ نفهم أن يحرج البيت الأبيض بتصريحات هيلين توماس، فهو مؤسسة رسمية ذات علاقة خاصة جدا مع إسرائيل، ولكن هل يمكن لـ«سي إن إن» أن تحرج برسالة نصية وضعتها إحدى العاملات فيها؟ هل المحطة جزء من وزارة الدفاع أو من وزارة الخارجية؟ الأرجح لا. لكنها تصرفت على أنها كذلك. والمسألة ليست مسألة صرف صحافية لامعة بل مسألة تصرف محطة فقدت شيئا من لمعانها.